للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَزْوَاجِهِ، فَلِهَذَا خصَّهم بِالدُّعَاءِ لَمَّا أَدْخَلَهُمْ فِي الْكِسَاءِ، كَمَا أَنَّ مَسْجِدَ قُباء أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَمَسْجِدُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَهُوَ أَكْمَلُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {َلمسجدٌ أُسّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيه رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ

يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِرِين} (١) بِسَبَبِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، تَنَاوَلَ اللَّفْظُ لِمَسْجِدِ قُبَاءَ وَلِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطْرِيقِ الْأَوْلَى.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي إِيجَابِ الْمَوَدَّةِ لَهُمْ غَلَطٌ. فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ُقلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (٢) قَالَ: فَقُلْتُ: إِلَّا أَنْ تَوَدُّوا ذَوِي قُرْبَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجلتَ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ قَرَابَةٌ. فَقَالَ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.

فَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَأَعْلَمِهِمْ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا تَفْسِيرُهُ الثَّابِتُ عَنْهُ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إِلَّا الْمَوَدَّةَ لِذَوِي الْقُرْبَى. وَلَكِنْ قَالَ: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ ذَوِي قُرْبَاهُ قَالَ:

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (٣) ، وَلَا يُقال: الْمَوَدَّةُ فِي ذَوِي الْقُرْبَى. وَإِنَّمَا يُقَالُ: الْمَوَدَّةُ لِذَوِي الْقُرْبَى. فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى؟!

وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْأَلُ أَجْرًا أَصْلًا إِنَّمَا أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَالَاةُ أهل البيت لكن بأدلة أخرى غير هذه الآية، وليست موالاتنا أهل الْبَيْتِ مَنْ أَجْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مكية، ولم يكن عليٌّ قَدْ تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ وَلَا وُلد لَهُ أَوْلَادٌ.

وَأَمَّا آيَةُ الِابْتِهَالِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِ عليٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ لِيُبَاهِلَ بِهِمْ (٤) ، لَكِنْ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَيْهِ من غيرهم، فإنه لم يكن له وُلِدَ ذَكَرٌ إِذْ ذَاكَ يَمْشِي مَعَهُ. وَلَكِنْ كَانَ يَقُولُ عَنِ الْحَسَنِ: ((إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ)) فَهُمَا ابْنَاهُ وَنِسَاؤُهُ إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ لَهُ بِنْتٌ إِلَّا فَاطِمَةَ - رَضِيَ الله عنه - ا، فَإِنَّ الْمُبَاهَلَةَ كَانَتْ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ،


(١) الآية ١٠٨ من سورة التوبة.
(٢) الآية ٢٣ من سورة الشورى.
(٣) الآية ٤١ من سورة الأنفال.
(٤) انظر صحيح مسلم ج٤، ص١٨٧١ والترمذي ج٤ ص ٢٩٣.

<<  <   >  >>