للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحسين بن مصعب أمير خراسان المشهورالمعلومة سِيرَتُهُ، وَابْنُ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ كَانَ نَائِبًا عَلَى بَغْدَادَ فِي خلافة الْمُتَوَكِّلِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي صلَّى عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَمَّا مَاتَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هَذَا كَانَ نَائِبًا لَهُمْ فِي إِمَارَةِ الْمُعْتَصِمِ وَالْوَاثِقِ وَبَعْضِ أَيَّامِ الْمُتَوَكِّلِ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْسُوا مِنْ طَيِّئٍ وَهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مَشْهُورُونَ.

وَأَمَّا الفُتيا الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ نَذَرَ إِنْ عُوفِيَ يَتَصَدَّقُ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، وَأَنَّهُ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ جَوَابًا، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ أَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لقدْ نَصَرَكُمْ الله في مَواطِنَ كَثيرَةً} (١) ، وَأَنَّ الْمُوَاطِنَ كَانْتْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا سَبْعًا وعشرين غزاة، وبعث سِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً،

فَهَذِهِ الْحِكَايَةُ أَيْضًا تُحْكَى عن عَلِيِّ بْنِ مُوسَى مَعَ الْمَأْمُونِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَذِبًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ جَهْلًا مِمَّنْ أَفْتَى بِذَلِكَ.

فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَهُ عليَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ، أَوْ وَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّ فُلَانًا دَرَاهِمَ كَثِيرَةً، أَوْ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، لَا يُحمل عَلَى ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْحُجَّةُ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنَّ الْمَوَاطِنَ كَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً وَسِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً، لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَغْزُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ، بَلْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَاللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ بِمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا تقدَّم قَبْلَ ذَلِكَ مَوَاطِنَ كَثِيرَةً، وَكَانَ بَعْدَ يَوْمِ حُنَيْنٍ غَزْوَةُ الطَّائِفِ وَغَزْوَةُ تَبُوكَ، وَكَثِيرٌ مِنَ السَّرَايَا كانت بعد يوم حُنَيْنٍ كَالسَّرَايَا الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ مِثْلِ إِرْسَالِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى ذِي الْخُلَصَةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.

وَجَرِيرٌ إِنَّمَا أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِ سَنَةٍ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا كَانَتْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ الْمُخْبِرَةَ عَنِ الْمَاضِي إِخْبَارًا بِجَمِيعِ الْمَغَازِي وَالسَّرَايَا.

الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْصُرْهُمْ فِي جَمِيعِ الْمَغَازِي، بَلْ يَوْمَ أحد تولوا، وكان يوم بلاء


(١) الآية ٢٥ من سورة الدخان.

<<  <   >  >>