للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّعَصُّبِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَهُمَا إِمَامَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ تسطيح القبور هي الْمَشْرُوعُ، لَكِنْ لَمَّا جَعَلَتْهُ الرَّافِضَةُ شِعَارًا لَهُمْ عدلنا عنه إلى التسنيم، وذكر الزمخشري، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى: {ُهوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلاَئِكَتَهُ} (١) أَنَّهُ يَجُوزُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُصلَّى عَلَى آحَادِ الْمُسْلِمِينَ،

لَكِنْ لَمَّا اتَّخَذَتِ الرَّافِضَةُ ذَلِكَ فِي أَئِمَّتِهِمْ مَنَعْنَاهُ. وَقَالَ مُصَنِّفُ ((الْهِدَايَةِ)) مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْمَشْرُوعَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ، وَلَكِنْ لَمَّا اتَّخَذَتْهُ الرَّافِضَةُ جَعَلْنَا التَّخَتُّمَ فِي الْيَسَارِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فَانْظُرْ إِلَى مَنْ يُغَيِّرُ الشَّرِيعَةَ ويبدِّل الْأَحْكَامَ الَّتِي وَرَدَ بِهَا النَّصُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَذْهَبُ إِلَى ضِدِّ الصَّوَابِ مُعَانَدَةً لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، فَهَلْ يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَصِيرُ إِلَى أَقْوَالِهِ؟))

وَالْجَوَابُ من طريقتين: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ بِالرَّافِضَةِ أَلْصَقُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ أَئِمَّةَ السُّنَّةِ بُرَآءٌ مِنْ هَذَا.

أَمَّا الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ فَيُقَالُ: لَا نَعْلَمُ طَائِفَةً أَعْظَمَ تَعَصُّبًا فِي الْبَاطِلِ مِنَ الرَّافِضَةِ، حَتَّى أَنَّهُمْ دُونَ سَائِرِ الطَّوَائِفِ عُرف مِنْهُمْ شهادة الزور لموافقهم عَلَى مُخَالِفِهِمْ، وَلَيْسَ فِي التَّعَصُّبِ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ، وَحَتَّى أَنَّهُمْ فِي التَّعَصُّبِ جَعَلُوا لِلْبِنْتِ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ، لِيَقُولُوا: إِنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرِثَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَحَتَّى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ حرَّم لَحْمَ الْجَمَلِ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَاتَلَتْ عَلَى جَمَلٍ، فَخَالَفُوا كِتَابَ الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةَ لِأَمْرٍ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْجَمَلَ الَّذِي رَكِبَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَاتَ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ حَيٌّ فَرُكُوبُ الْكُفَّارِ عَلَى الْجِمَالِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا، وَمَا زَالَ الْكُفَّارُ يَرْكَبُونَ جِمَالًا وَيَغْنَمُهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، وَلَحْمُهَا حَلَالٌ لَهُمْ، فَأَيُّ شَيْءٍ فِي رُكُوبِ عَائِشَةَ لِلْجَمَلِ مِمَّا يُوجِبُ تَحْرِيمَ لَحْمِهِ؟ وَغَايَةُ مَا يَفْرِضُونَ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَجْعَلُونَهُ كَافِرًا رَكِبَ جَمَلًا، مَعَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ مُفْتَرُونَ فِيمَا يَرْمُونَ بِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ ((الْعَشَرَةِ)) بَلْ يَقُولُونَ تِسْعَةٌ وَوَاحِدٌ، وَإِذَا بَنَوْا أَعْمِدَةً أَوْ غَيْرَهَا لَا يَجْعَلُونَهَا عَشَرَةً، وَهُمْ يتحرُّون ذلك في كثير من أمورهم.

وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا وَجَدُوا مُسَمًّى بِعَلِيٍّ أَوْ جَعْفَرٍ أَوِ الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ بَادَرُوا إِلَى إِكْرَامِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فَاسِقًا، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْبَاطِنِ سُنِّيًّا، فَإِنَّ أَهْلَ السنة يسمُّون بهذه


(١) الآية ٤٣ من سورة الأحزاب.

<<  <   >  >>