مصدَّقة أَمِينَةٌ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ إِلَيْكِ فِي هَذَا، أَوْ وَعَدَكِ فِيهِ مَوْعِدًا أَوْ أَوْجَبَهُ لَكُمْ حقًّا صدَّقتك. فقالت: لاغيرأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: ((أَبْشِرُوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ وَقَدْ جَاءَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْغِنَى)) . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقْتِ، فَلَكُمُ الْفَيْءُ، وَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمِي بِتَأْوِيلِ هَذِهِ أَنْ أستلم هذا السهم كله كاملا إليكم، ولكن الْفَيْءُ الَّذِي يَسَعُكُمْ. وَهَذَا يبيِّن أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَقْبَلُ قَوْلَهَا، فَكَيْفَ يَرُدُّهُ وَمَعَهُ شاهد وامرأة؟ ولكنه يتعلق بشيء يَجِدُهُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُورث فَالْخَصْمُ فيذلك أَزْوَاجُهُ وَعَمُّهُ، وَلَا تُقبل عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا رَجُلٍ وَاحِدٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُورث فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا رَجُلٍ وَاحِدٍ بِاتِّفَاقِ
الْمُسْلِمِينَ، وَلَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. نَعَمْ يُحكم فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَفُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَشَهَادَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: إِحْدَاهُمَا: لَا تُقبل، وَهِيَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ.
وَالثَّانِيَةُ: تُقبل، وهي مذهب الإمام الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ. فَعَلَى هَذَا لَوْ قدِّر صِحَّةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَمْ يجز للإمام أن يحكم بشهادة رجل واحد وامرأة وَاحِدَةٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُهَمْ لَا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الزَّوْجِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يَحْكُمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَمَنْ يَحْكُمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَمْ يَحْكُمْ لِلطَّالِبِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: ((فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ فَشَهِدَتْ لَهَا بِذَلِكَ، فَقَالَ: امْرَأَةٌ لَا يُقبل قَوْلُهَا. وَقَدْ رَوَوْا جَمِيعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((أُمُّ أَيْمَنَ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الجنة)) .
الجواب: أن هذا احتاج جَاهِلٌ مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجَّ لِنَفْسِهِ فَيَحْتَجَّ عَلَيْهَا، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَوْ قَالَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَالْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَمْثَالُهُمَا لَكَانَ قَدْ قَالَ حَقًّا، فَإِنَّ امْرَأَةً وَاحِدَةً لَا يُقبل قَوْلُهَا فِي الْحُكْمِ بِالْمَالِ لمدعٍ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ إِذَا حُكى مِثْلُ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute