للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ الْجَيْشِ، بَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستخلفه في الصلاة من حِينِ مَرِضَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَأُسَامَةُ قَدْ رُوي أَنَّهُ قَدْ عُقِدَ لَهُ الرَّايَةُ قَبْلَ مَرَضِهِ، ثُمَّ لَمَّا مَرِضَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يصلِّي بِالنَّاسِ، فَصَلَّى بِهِمْ إِلَى أَنْ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَوْ قدر أنه أُمر بالخروج مع أسامة قبل المرض لكن أَمْرُهُ لَهُ بِالصَّلَاةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، مَعَ إِذْنِهِ لِأُسَامَةَ أَنْ يُسَافِرَ فِي مَرَضِهِ، مُوجِبًا لِنَسْخِ إِمْرَةِ أُسَامَةَ عَنْهُ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يؤمَّر عليه أسامة بحال؟

وقوله: ((ومات ولم يعزله)) .

فَأَبُو بَكْرٍ أَنْفَذَ جَيْشَ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ أَنْ أَشَارَ النَّاسُ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ خَوْفًا مِنَ الْعَدُوِّ. وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أحلَ رَايَةً عَقَدَهَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ عَزْلَهُ

، كَمَا كَانَ يَمْلِكُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ، فَيَعْمَلُ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ غَضَبِ أُسَامَةَ لَمَّا تولَّى أَبُو بَكْرٍ، فَمِنَ الْأَكَاذِيبِ السَّمِجَةِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَبِي بَكْرٍ وَطَاعَتِهِ لَهُ أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ تُنكر، وَأُسَامَةُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ لَا مَعَ عَلِيٍّ وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ وَاعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ. وَأُسَامَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَا مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ، وَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا، فَأَيُّ فَائِدَةٍ لَهُ فِي أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَيِّ مَنْ تَوَلَّى الْأَمْرَ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الْأَمْرَ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ خَلِيفَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ قدِّر أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ مَاتَ، فَبِمَوْتِهِ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِلَيْهِ الْأَمْرُ فِي إِنْفَاذِ الْجَيْشِ أَوْ حَبْسِهِ، وَفِي تَأْمِيرِ أُسَامَةَ أَوْ عزله. وإذا قال: أمّرني عليك فمن اسْتَخْلَفَكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: مَنِ اسْتَخْلَفَنِي عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْكَ. وَإِذَا قَالَ: أَنَا أمَّرني عَلَيْكَ. قَالَ: أمَّرك عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُستخلف، فَبَعْدَ أَنْ صِرْتُ خَلِيفَةً صرت أنا الأمير عليك.

وَمِثْلَ هَذَا لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا جَاهِلٌ. وَأُسَامَةُ أَعْقَلُ وَأَتْقَى وَأَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا الْهَذَيَانِ لِمِثْلِ أَبِي بَكْرٍ.

وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ: إِنَّهُ مَشَى هُوَ وعمر إليه حتى استرضياه، مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُمَا قَهَرَا عَلِيًّا وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَمْ يَسْتَرْضِيَاهُمْ، وَهُمْ أَعَزُّ وأقوى

<<  <   >  >>