وَدَافَعَ عَنْهُ مَنْ دَافَعَ فِي بَيْتِهِ، كَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا؟
ثُمَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي الْإِجْمَاعَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ مع ظهور الإنكار من جماهير الْأُمَّةِ لَهُ وَقِيَامِهِمْ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَالِانْتِقَامِ مِمَّنْ قَتَلَهُ، أَظْهَرُ كَذِبًا مِنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي إجماع الأمة عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْحُسَيْنَ قُتِلَ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ، لِأَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَقَتَلُوهُ لَمْ يَدْفَعْهُمْ أَحَدٌ عن ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ كَذِبُهُ بِأَظْهَرَ مِنْ كَذِبِ الْمُدَّعِي لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ؛ فَإِنَّ الْحُسَيْنَ - رضي الله عنه - لم يعظم إنكار الْأُمَّةِ لِقَتْلِهِ، كَمَا عَظُمَ إِنْكَارُهُمْ لِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا انْتَصَرَ لَهُ جُيُوشٌ كَالْجُيُوشِ الَّذِينَ انْتَصَرَتْ لِعُثْمَانَ، وَلَا انْتَقَمَ أَعْوَانُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ كَمَا انْتَقَمَ أَعْوَانُ عُثْمَانَ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَلَا حَصَلَ بِقَتْلِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَالْفَسَادِ مَا حَصَلَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَا كَانَ قَتْلُهُ أَعْظَمَ إِنْكَارًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ مِنْ أَعْيَانِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ طَبَقَةِ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى بَيْعَتِهِ، بَلْ لَمْ يُشْهر فِي الْأُمَّةِ سَيْفًا وَلَا قَتَلَ عَلَى وِلَايَتِهِ أَحَدًا، وَكَانَ يَغْزُو بِالْمُسْلِمِينَ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ السَّيْفُ فِي خِلَافَتِهِ كَمَا كَانَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَسْلُولًا على الكفَّار، مكفوفا عن أهل القبلة.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((إِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَأْمُرُ بِقَتْلِ عُثْمَانَ، وَتَقُولُ فِي كُلِّ وَقْتٍ: اقْتُلُوا نَعْثَلًا، قَتْلَ اللَّهُ نَعْثَلًا، وَلَمَّا بلغها قتله فرحت بذلك)) .
فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: أَيْنَ النَّقْلُ الثَّابِتُ عَنْ عَائِشَةَ بِذَلِكَ؟
وَيُقَالُ: ثَانِيًا: الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ عَنْهَا يُكَذِّبُ ذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ قَتْلَهُ، وَذَمَّتْ مَنْ قَتَلَهُ، وَدَعَتْ عَلَى أَخِيهَا مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي ذَلِكَ.
وَيُقَالُ: ثَالِثًا: هَبْ أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الصَّحَابَةِ: عَائِشَةَ أَوْ غَيْرَهَا قَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ، لِإِنْكَارِهِ بَعْضَ مَا يُنْكَرُ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ لَا فِي إِيمَانِ الْقَائِلِ وَلَا الْمَقُولِ لَهُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ كِلَاهُمَا وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَظُنُّ أَحَدُهُمَا جَوَازَ قَتْلِ الْآخَرِ، بَلْ يَظُنُّ كُفْرَهُ، وَهُوَ مُخْطِئٌ في هذا الظن.
والكلام في الناس يجب أن يكون في علم وَعَدْلٍ، لَا بِجَهْلٍ وَظُلْمٍ، كَحَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute