للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَسَافَرَ بِهَا كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَهُ)) .

فَيُقَالُ: هَذَا مِنْ تَنَاقُضِ الرَّافِضَةِ وَجَهْلِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يرمون عائشة بِالْعَظَائِمِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرْمِيهَا بِالْفَاحِشَةِ الَّتِي برَّأها اللَّهُ مِنْهَا، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّهُمْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ يَدَّعُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا مِنْ نِسَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، فَيَزْعُمُونَ أَنَّ امْرَأَةَ نُوحٍ كَانَتْ بَغِيًّا، وَأَنَّ الِابْنَ الَّذِي دَعَاهُ نُوحٌ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْهَا، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح} (١) . أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ عملٍ غَيْرِ صَالِحٍ. ومنهم من يقرأ: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} (٢) . يُرِيدُونَ: ابْنَهَا، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} . وَيَتَأَوَّلُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى:

{ضرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} (٣) عَلَى أَنَّ امْرَأَةَ نُوحٍ خَانَتْهُ فِي فِرَاشِهِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ قَحبة.

وَضَاهَوْا فِي ذَلِكَ الْمُنَافِقِينَ وَالْفَاسِقِينَ أَهْلَ الْإِفْكِ الَّذِينَ رَمَوْا عَائِشَةَ بِالْإِفْكِ وَالْفَاحِشَةِ وَلَمْ يَتُوبُوا، وَفِيهِمْ خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ

مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا)) (٤) .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْأَذَى لِلْإِنْسَانِ أَنْ يكذب على امرأته رَجُلٌ وَيَقُولُ إِنَّهَا بَغِيٌّ وَيَجْعَلُ الزَّوْجَ زَوْجَ قَحْبَةٍ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَشْتُمُ بِهِ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْمُبَالَغَةِ: شَتَمَهُ بِالزَّايِ وَالْقَافِ مُبَالَغَةً فِي شَتْمِهِ.

وَالرَّمْيُ بِالْفَاحِشَةِ - دُونَ سَائِرِ الْمَعَاصِي - جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ حَدَّ الْقَذْفِ، لِأَنَّ الْأَذَى الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ لِلْمَرْمِيِّ لَا يَحْصُلُ مِثْلُهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ رُمِيَ بِالْكُفْرِ أَمْكَنَهُ تَكْذِيبُ الرَّامِي بِمَا يُظْهِرُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ بِالْفَاحِشَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَكْذِيبُ الْمُفْتَرِي بِمَا يُضَادُّ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْفَاحِشَةَ تُخْفَى وَتُكْتَمُ مَعَ تَظَاهُرِ الإنسان بخلاف ذلك، وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، وَأَنَّ ابْنَ نُوحٍ كَانَ ابنه. كما قال الله تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَه} ، وكما قال نوح: {َيا ُبنيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} ، وقال: {إِنَّ ابْنِي مِن ْأَهْلِي} .

فالله ورسوله يقولان: إنه ابنه، وهؤلاء الكاذبون الْمُفْتَرُونَ الْمُؤْذُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَكَ، ولكن قال: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} .

ثُمَّ مِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ أَنْسَابَ الْأَنْبِيَاءِ: آبَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَيَقْدَحُونَ فِي أَزْوَاجِهِمْ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَصَبِيَّةً وَاتِّبَاعَ هَوًى حَتَّى يُعَظِّمُونَ فَاطِمَةَ والحسن والحسين،


(١) الآية ٤٦ من سورة هود.
(٢) الآية ٤٢ من سورة هود.
(٣) الآية ١٠ من سورة التحريم.
(٤) رواه البخاري: ٣/١٧٣ وغيره وتقدم ص.

<<  <   >  >>