للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نصب امير المؤمنين عليه اماما, وبايعه الْكُلُّ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ وَجَلَسَ مَكَانَهُ , فَكَانَ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ)) .

فَيُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ وَالْخُرُوجِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَكُلِّ دِينٍ بَلْ وَعَنِ الْعَقْلِ الَّذِي يَكُونُ لكثير من الكفار , ما لا يخفي على مَنْ تَدَبَّرَهُ.

أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ إِبْلِيسَ أَكْفَرُ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ , وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ النَّارَ فَمِنْ أَتْبَاعِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ منك وممن تبعك منهم أجمعين} (١) . وهو الآمر لهم بكل قبيح المزيّن لهم فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدٌ شَرًّا مِنْهُ؟ لَا سِيَّمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ , لَا سِيَّمَا مِنَ الصَّحَابَةِ؟

وَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ: ((شَرٌّ مِنْ إِبْلِيسَ مَنْ لَمْ يَسْبِقْهُ فِي سَالِفِ طَاعَةٍ , وَجَرَى مَعَهُ فِي مَيْدَانِ الْمَعْصِيَةِ)) يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ إِبْلِيسَ , لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ فِي سَالِفِ طَاعَةٍ, وَجَرَى مَعَهُ فِي مَيْدَانِ الْمَعْصِيَةِ. وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ , فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ , وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)) (٢) .

ثُمَّ هَلْ يَقُولُ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: إِنَّ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا من المسلمين يكون شرا من إبليس؟ أوليس هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ؟ وَقَائِلُ هَذَا كَافِرٌ كُفْرًا مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ مِنَ الدِّينِ. وَعَلَى هَذَا فَالشِّيعَةُ دَائِمًا يُذْنِبُونَ , فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمْ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ. ثُمَّ إِذَا قَالَتِ الْخَوَارِجُ: إِنَّ عَلِيًّا أَذْنَبَ فَيَكُونُ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ -لَمْ يَكُنْ لِلرَّوَافِضِ حُجَّةٌ إِلَّا دَعْوَى عِصْمَتِهِ. وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُقِيمُوا حُجَّةً عَلَى الْخَوَارِجِ بِإِيمَانِهِ وَإِمَامَتِهِ وَعَدَالَتِهِ , فَكَيْفَ

يُقِيمُونَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ بِعِصْمَتِهِ؟ وَلَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ تَقْدِرُ أَنْ تُقِيمَ الْحُجَّةَ بِإِيمَانِهِ وَإِمَامَتِهِ, لِأَنَّ مَا تَحْتَجُّ بِهِ الرَّافِضَةُ مَنْقُوضٌ وَمُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ , فَيَبْطُلُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.

ثُمَّ إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (٣) , لَزِمَ أَنْ يَكُونَ آدَمُ شَرًّا مِنْ إِبْلِيسَ.

وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَوَازِمُ هَذَا الْقَوْلِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَسَادِ يَفُوقُ الْحَصْرَ وَالتَّعْدَادَ.

وَأَمَّا ثَانِيًا: فَهَذَا الْكَلَامُ كَلَامٌ بِلَا حُجَّةٍ , بَلْ هُوَ بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ. فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ شَرًّا من


(١) الاية ٨٥ من سورة ص.
(٢) رواه الترمذي ج٤ ص ٧٠ وابن ماجه ج٢ ص١٤٢٠ وغيريهما.
(٣) الآية ١٢١ من سورة طه.

<<  <   >  >>