مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَكَانَ مُسْلِمًا، وَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ فِي لَيْلَةَ قَتَلَهُ وَضَاجَعَهَا. وَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ بِقَتْلِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ)) .
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: إِنْ كَانَ تَرْكُ قَتْلِ قَاتِلِ الْمَعْصُومِ مِمَّا يُنكر عَلَى الْأَئِمَّةِ، كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ حُجَّةِ شِيعَةِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْ مَلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَهُوَ خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قُتل مَظْلُومًا شَهِيدًا بِلَا تَأْوِيلٍ مسوِّغ لِقَتْلِهِ. وَعَلِيٌّ لَمْ يَقْتُلْ قَتَلَته، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا امْتَنَعَتْ بِهِ شِيعَةُ عُثْمَانَ عَنْ مُبَايَعَةِ عليّ، فإنْ كَانَ عَلِيٌّ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، فَعُذْرُ أَبِي بَكْرٍ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَاتِلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ أَقْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ فَعَلِيٌّ أَوْلى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ.
وَأَمَّا مَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ مِنَ الْإِنْكَارِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَتَرْكِ إِنْكَارِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا عَلَى عَلِيٍّ، فَهَذَا مِنْ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَتَنَاقُضِهِمْ.
وَكَذَلِكَ إِنْكَارُهُمْ عَلَى عُثْمَانَ كَوْنَهُ لَمْ يَقْتُلْ عُبيد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِالْهُرْمُزَانِ، هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: عَلِيٌّ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، لِأَنَّ شُرُوطَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُوجَدْ: إِمَّا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَعْيَانِ القَتَلة، وَإِمَّا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقَوْمِ لِكَوْنِهِمْ ذَوِي شَوْكَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قِيلَ: فَشُرُوطُ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُوجَدْ فِي قَتْلِ قَاتِلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، وَقَتْلِ قَاتِلِ الْهُرْمُزَانِ، لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْحُدُودُ تُدرأ بالشّبهات.
وَإِذَا قَالُوا: عُمَرُ أَشَارَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَلِيٌّ أَشَارَ عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قِيلَ: وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا أَشَارُوا عَلَى عَلِيٍّ بِقَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ بالقَوَد، أَقَامَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً سَلَّمُوا لَهَا: إِمَّا لِظُهُورِ الْحَقِّ مَعَهُ، وَإِمَّا لِكَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.
وَعَلِيٌّ لَمَّا يُوَافِقِ الَّذِينَ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ، جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْحُرُوبِ مَا قَدْ عُلم. وَقَتْلُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَهْوَنُ مِمَّا جَرَى بِالْجَمَلِ وصفِّين فَإِذَا كَانَ فِي هَذَا اجْتِهَادٌ سَائِغٌ، فَفِي ذلك أوْلى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute