للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُوَلُّونَهُ إِيَّاهَا. قَالَ لِعُثْمَانَ: إِنْ وَلِيتَهَا لَتَرْكَبَنَّ آلُ أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَإِنْ فَعَلْتَ لتُقتلن. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إلى الأمر بقتله)) .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ قِسْمَيْنِ: إِمَّا كَذِبٌ فِي النَّقْلِ، وَإِمَّا قَدْحٌ فِي الْحَقِّ، فَإِنَّ مِنْهُ مَا هُوَ كَذِبٌ مَعْلُومُ الْكَذِبِ أَوْ غَيْرُ مَعْلُومِ الصِّدْقِ، وَمَا عُلم أَنَّهُ صِدْقٌ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الطَّعْنَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَلْ ذَلِكَ مَعْدُودٌ مِنْ فَضَائِلِهِ وَمَحَاسِنِهِ الَّتِي خَتَمَ اللَّهُ بِهَا عَمَلَهُ.

وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وَهَوَاهُمْ يَقْلِبُونَ الْحَقَائِقَ فِي الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، فَيَأْتُونَ إِلَى الْأُمُورِ الَّتِي وَقَعَتْ وعُلم أَنَّهَا وَقَعَتْ، فَيَقُولُونَ: مَا وَقَعَتْ، وَإِلَى أُمُورٍ مَا كَانَتْ ويُعلم أَنَّهَا مَا كَانَتْ، فَيَقُولُونَ: كَانَتْ، وَيَأْتُونَ إِلَى الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ، فَيَقُولُونَ: هِيَ فَسَادٌ، وَإِلَى الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ فَسَادٌ، فَيَقُولُونَ: هِيَ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ؛ فَلَيْسَ لَهُمْ لَا عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ، بَلْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (١) .

وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: ((وَجَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَعْدَهُ وَخَالَفَ فِيهِ مَنْ تَقَدَّمَهُ)) .

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ: خِلَافُ تَضَادٍّ، وَخِلَافُ تَنَوُّعٍ. فَالْأَوَّلُ: مِثْلَ أَنْ يُوجِبُ هَذَا شَيْئًا وَيُحَرِّمُهُ الْآخَرُ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مِثْلُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا يَخْتَارُ قِرَاءَةً، وَهَذَا يَخْتَارُ قِرَاءَةً. كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ، بَلِ اسْتَفَاضَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ مِنْ حَدِيثِ الزِّنْجِيِّ بن خَالِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: ((لَوْلَا أَنَّكُمَا تَخْتَلِفَانِ عليَّ مَا خَالَفْتُكُمَا)) (٢) . وَكَانَ السَّلَفُ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِهِمَا حَتَّى شيعة عليّ رضي الله عنهما.

وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ شَيْخِهِ الْمَعْرُوفِ بِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن زياد بن حُدَير، قَالَ: ((قَدِمَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ الْكُوفَةَ، قال لنا شمر بن عَطِيَّةَ: قُومُوا إِلَيْهِ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَتَحَدَّثُوا، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَشُكُّ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَتَقْدِيمِهِمَا، وقدمت الآن وهم


(١) الآية ١٠ من سورة الملك.
(٢) قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج٩ ص ٥٢، ٥٣ رواه الطبراني في الأوسط وأحمد.

<<  <   >  >>