للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفَضَائِلَهُ.

وَإِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ لَهُ ذُنُوبٌ، فَغَيْرُهُمْ أَعْظَمُ ذُنُوبًا، وَأَقَلُّ حَسَنَاتٍ. فَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُعرف، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِمَنْزِلَةِ الذُّبَابِ الَّذِي لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى الْعَقِيرِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْعَاقِلُ يزن الأمور جميعا: هذا وهذا.

وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، يَعِيبُونَ عَلَى مَنْ يَذُمُّونَهُ مَا يُعاب أَعْظَمُ مِنْهُ عَلَى مَنْ يَمْدَحُونَهُ، فَإِذَا سُلك مَعَهُمْ مِيزَانُ الْعَدْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي ذَمُّوهُ أَوْلى بِالتَّفْضِيلِ مِمَّنْ مَدَحُوهُ.

وَأَمَّا مَا يُروى مِنْ ذِكْرِهِ لِسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ فَقَدْ عُلم أَنَّ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْإِمَامَةَ فِي قُرَيْشٍ، كَمَا اسْتَفَاضَتْ بِذَلِكَ السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ فِي النَّاسِ اثْنَانِ)) وَفِي لَفْظٍ: ((مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ)) (١) .

وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: ((وَجَمَعَ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ، وَمِنْ حَقِّ الْفَاضِلِ التَّقَدُّمُ عَلَى الْمَفْضُولِ)) .

فَيُقَالُ لَهُ: أَوَّلًا: هَؤُلَاءِ كَانُوا مُتَقَارِبِينَ فِي الْفَضِيلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدُّمُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ظَاهِرًا، كَتَقَدُّمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى الْبَاقِينَ. وَلِهَذَا كَانَ فِي الشُّورَى تَارَةً يُؤخذ بِرَأْيِ عُثْمَانَ، وتارة يؤخذ برأي علي، وتارة يؤخذ بِرَأْيِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَكُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ فَضَائِلُ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا الْآخَرُ.

ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: ثَانِيًا: وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ فَاضِلٌ وَمَفْضُولٌ، فَلِمَ قُلْتَ: إِنَّ عَلِيًّا هُوَ الْفَاضِلُ، وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُ هم المفضولون؟ وهذا قول خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، كَمَا قال غير واحد من الأئمة، منهم أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ((كُنَّا نُفَاضِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ)) . وَفِي لَفْظٍ: ((ثُمَّ نَدَعُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا


(١) انظر البخاري ج٤ ص ١٧٩ وج٩ ص ٦٢ ومسلم ج٢ ص ٩٤٤ وج٣ ص ١٤٦٨.

<<  <   >  >>