للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا وَبَنِي هَاشِمٍ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَضْرِبُوا أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا أَكْرَهُوهُ عَلَى الْبَيْعَةِ. فَإِذَا لَمْ يُكْرَهْ أَحَدٌ عَلَى مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ مُتَعَيَّنَةٌ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ النَّاسِ عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ، وَهِيَ عِنْدَهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنَةٍ؟ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مُدَّةَ خِلَافَتِهِمَا مَا زَالَا مكرِّمين غَايَةَ الْإِكْرَامِ لِعَلِيٍّ وَسَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ يقدِّمونهم عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: أَيُّهَا النَّاسُ ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ يَذْهَبُ وَحْدَهُ إِلَى بَيْتِ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ بَنُو هَاشِمٍ، فَيَذْكُرُ لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَيَذْكُرُونَ لَهُ فَضْلَهُ، وَيَعْتَرِفُونَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْخِلَافَةَ، وَيَعْتَذِرُونَ مِنَ التَّأَخُّرِ، وَيُبَايِعُونَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ وَحْدَهُ.

وَالْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ بِمَا كَانَ بَيْنَ الْقَوْمِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالِائْتِلَافِ تُوجِبُ كذب من نقل ما يخالف ذلك. وَلَوْ أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي وِلَايَتِهِمَا إِيذَاءَ عَلِيٍّ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، لَكَانَا أَقْدَرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ظَلَمُوهُ فِي حَالٍ كَانَ فِيهَا أَقْدَرَ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَنْعِهِمَا مِنْ ظُلْمِهِ، وَكَانَا أَعْجَزَ عَنْ ظُلْمِهِ لو أراد ذَلِكَ، فهلاَّ ظَلَمَاهُ بَعْدَ قُوَّتِهِمَا وَمُطَاوَعَةِ النَّاسِ لهما إن كانا مريدَيْن لظلمه؟

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ((أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ الْأَرْبَعَةَ وَأَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ الثَّلَاثَةَ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرحمن)) .

فَيُقَالُ: هَذَا مِنَ الْكَذِبِ المفتَرَى. وَلَوْ قدِّر أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عُمَرُ قَدْ خَالَفَ الدِّينَ، بَلْ يَكُونُ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ يَقْصِدُ الْفِتْنَةَ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يفرِّق جَمَاعَتَكُمْ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ)) (١) .

وَالْمَعْرُوفُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ بِبَيْعَةٍ بِلَا مُشَاوَرَةٍ لِأَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ.

وَأَمَّا قَتْلُ الْوَاحِدِ الْمُتَخَلِّفِ عَنِ الْبَيْعَةِ إِذَا لَمْ تَقُمْ فِتْنَةٌ، فَلَمْ يَأْمُرْ عُمَرُ بِقَتْلِ مِثْلِ هَذَا، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ مِثْلِ هَذَا.

وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنِ الْإِشَارَةِ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ، وَمِنَ الإشارة إلى ترك ولاية عليّ، كذب


(١) تقدم تخريجه قبل قليل ص ٤٩٤.

<<  <   >  >>