للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ قِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُمْ هَوًى مُنٍعوا ذَلِكَ بِدَلَالَةِ النُّصُوصِ.

قِيلَ: وَإِذَا كَانَ لَهُمْ هَوًى عَصَوْا تِلْكَ النُّصُوصَ وَأَعْرَضُوا عَنْهَا، كَمَا ادعيتم أنتم عليهم. فمع قصدهم الْحَقَّ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهَذَا وَبِهَذَا، وَمَعَ الْعِنَادِ لا ينفع هذا لا هَذَا.

وَجَوَابٌ سَادِسٌ: أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ عَلَى الْأَحْكَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ: نَصٌّ كُلِّيٌّ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ أعيانها، ونص على الجزئيات.

فإن قُلْتُمْ: لَا بُدَّ مِنَ النَّصِّ عَلَى الْإِمَامِ. إِنْ أَرَدْتُمُ النَّصَّ عَلَى الْعَامِّ الْكُلِّيِّ: عَلَى ما يُشترك لِلْإِمَامِ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَا يَجِبُ لَهُ، كَالنَّصِّ عَلَى الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ وَالشُّهُودِ وَأَئِمَّةِ الصَّلَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَأُمَرَاءِ الْجِهَادِ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَتَقَلَّدُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ - فَهَذِهِ النُّصُوصُ ثَابِتَةٌ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - كَثِيرَةٌ، كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى سائر الأحكام.

وَجَوَابٌ سَابِعٌ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: أَنْتُمْ أَوْجَبْتُمُ النَّصَّ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى التَّشَاجُرِ، الْمُفْضِي إِلَى أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ الَّتِي لِأَجْلِ إِعْدَامِ الْأَقَلِّ مِنْهَا أَوْجَبْتُمْ نَصْبَهُ.

فَيُقَالُ: الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَلَّى بِدُونِ هَذَا الْفَسَادِ. وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ تَوَلَّيَا بِدُونِ هَذَا الْفَسَادِ. فَإِنَّمَا عَظُم هَذَا الْفَسَادُ فِي الْإِمَامِ الَّذِي ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَوَقَعَ فِي وِلَايَتِهِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّشَاجُرِ وَالْفَسَادِ التي لأجل إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه، فَكَانَ مَا جَعَلْتُمُوهُ وَسِيلَةً إِنَّمَا حَصَلَ مَعَهُ نَقِيضُ الْمَقْصُودِ، وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِدُونِ وَسِيلَتِكُمْ، فَبَطَلَ كون ما ذكرتموه وسيلة إلى المقصود.

وَهَذَا لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرُوا بِمَا لَمْ يَكُنْ، فَلَزِمَ مِنْ كَذِبِهِمْ وَجَهْلِهِمْ هَذَا التَّنَاقُضُ.

وَجَوَابٌ ثَامِنٌ: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ الَّذِي يُزِيلُ هَذَا الْفَسَادَ يَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوِلَايَةِ الشَّخْصِ وَيُثْنِي عَلَيْهِ فِي وِلَايَتِهِ، فَحِينَئِذٍ تَعْلَمُ الْأُمَّةُ أَنَّ هَذَا إِنْ تَوَلَّى كَانَ مَحْمُودًا مَرْضِيًّا، فَيَرْتَفِعُ النِّزَاعُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَلُّوه.

وَهَذَا النَّصُّ وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

الثَّانِي: أَنْ يُخْبِرَ بِأُمُورٍ تَسْتَلْزِمُ صَلَاحَ الْوُلَاةِ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ وَقَعَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

<<  <   >  >>