للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انْقَضَّ الْكَوْكَبَ فِي مَنْزِلِ عَلِيٍّ، وَسُورَةُ النَّجْمِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ حِينَ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُرَاهِقًا لِلْبُلُوغِ لَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ، هَكَذَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَعِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِمَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ وُلد بَعْدُ، وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ طِفْلًا لَا يُمَيِّزُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا هَاجَرَ كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ خَمْسِ سِنِينَ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ عِنْدَ نُزُولِ سُورَةِ النَّجْمِ، فَإِنَّهَا مِنْ أوائل ما نزل من القرآن.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمْ يَنْقَضَّ قَطُّ كَوْكَبٌ إِلَى الْأَرْضِ بِمَكَّةَ وَلَا بِالْمَدِينَةِ، وَلَا غَيْرِهِمَا. وَلَمَّا بُعث النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثُرَ الرَّمْيُ بِالشُّهُبِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَنْزِلْ كَوْكَبٌ إِلَى الْأَرْضِ. وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي تُعرف فِي الْعَالَمِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي لَا يُعرف مِثْلُهَا فِي الْعَالَمِ، وَلَا يَرْوى مِثْلَ هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ أَوْقَحِ النَّاسِ، وَأَجْرَئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَقَلِّهِمْ حَيَاءً وَدِينًا، وَلَا يَرُوج إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ وَأَحْمَقِهِمْ، وَأَقَلِّهِمْ مَعْرِفَةً وَعِلْمًا.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ نُزُولَ سُورَةِ النَّجْمِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَعَلِيٌّ إِذْ ذَاكَ كَانَ صَغِيرًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ احْتَلَمَ وَلَا تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ، وَلَا شُرع بَعْدُ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ أَرْبَعًا وَثَلَاثًا وَاثْنَيْنِ، وَلَا فَرَائِضُ الزَّكَاةِ، وَلَا حَجُّ الْبَيْتِ، وَلَا صَوْمُ رَمَضَانَ، وَلَا عَامَّةُ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ.

وَأَمْرُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِمَامَةِ لَوْ كَانَ حَقًّا إِنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ كَمَا ادَّعَوْهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُم، فَكَيْفَ يَكُونُ قَدْ نَزَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَأَنَّ النَّجْمَ الْمُقْسَمَ بِهِ: إِمَّا نُجُومُ السَّمَاءِ، وَإِمَّا نُجُومُ الْقُرْآنِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّهُ كَوْكَبٌ نَزَلَ فِي دَارِ أَحَدٍ بِمَكَّةَ.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((غويت)) فَهُوَ كَافِرٌ، وَالْكُفَّارُ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُمْ بِالْفُرُوعِ قَبْلَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ هَذَا النَّجْمَ إِنْ كَانَ صَاعِقَةً، فَلَيْسَ نُزُولُ الصَّاعِقَةِ فِي بَيْتِ شَخْصٍ كَرَامَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ فَهَذِهِ لَا تُفَارِقُ الْفَلَكَ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الشُّهب فَهَذِهِ يُرمى بِهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَهِيَ لَا تَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ. وَلَوْ قُدِّر أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي رُمِيَ بِهَا وَصَلَ إِلَى بَيْتِ عَلِيٍّ حَتَّى احْتَرَقَ بِهَا، فَلَيْسَ هَذَا كَرَامَةً لَهُ، مَعَ أَنَّ هَذَا لم يقع قط.

<<  <   >  >>