للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنَّهُ لَوْ تَنَاظَرَ فَقِيهَانِ فِي فَرْعٍ مِنَ الْفُرُوعِ، لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ إِلَّا بِحَدِيثٍ يُعلم أَنَّهُ مُسْنَدٌ إِسْنَادًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، أَوْ يُصَحِّحُهُ مَنْ يُرجع إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُعلم إِسْنَادُهُ، وَلَمْ يُثْبِتْهُ أَئِمَّةُ النَّقْلِ، فَمِنْ أَيْنَ يُعلم؟ لَا سِيَّمَا فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي يُبنى عَلَيْهَا الطَّعْنُ فِي سَلَفِ الْأُمَّةِ وَجُمْهُورِهَا، ويُتوسل بِذَلِكَ إلى هدم قواعد الملة، فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَدِيثٌ لَا يُعْرَف إِسْنَادُهُ وَلَا يُثْبِتُهُ أَئِمَّةُ النَّقْلِ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ عَالِمًا صَحَّحَهُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ عِنْدِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، فَمَا مِنْ عَالِمٍ يَعْرِفُ الْحَدِيثَ إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْكُتُبِ الَّتِي يُرجع إِلَيْهَا فِي المنقولات، لأن مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُ أَنَّ هذا كذب.

الرَّابِعُ: أَنَّ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمْ يَبْلُغُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؛ فَإِنَّهَا نزلت بمكة في أول الأمر. وَلَا بَلَغُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي مُدَّةِ حَيَاةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: ((إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ وَيَشْرَبُ الفَرَق مِنَ اللَّبَنِ)) فَكَذِبٌ عَلَى الْقَوْمِ، لَيْسَ بَنُو هَاشِمٍ مَعْرُوفِينَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْكَثْرَةِ فِي الْأَكْلِ، وَلَا عُرف فِيهِمْ مَنْ كَانَ يَأْكُلُ جَذَعَةً وَلَا يَشْرَبُ فَرَقًا.

السَّادِسُ: أن قوله للجماعة: ((من يجيبني إِلَى هَذَا الْأَمْرِ وَيُؤَازِرْنِي عَلَى الْقِيَامِ بِهِ يَكُنْ أَخِي وَوَزِيرِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي)) كلامٌ مُفْتَرًى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ. فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْإِجَابَةِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ

وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا يُوجِبُ هَذَا كُلَّهُ؛ فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ أَجَابُوا إِلَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، وَأَعَانُوهُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي إِقَامَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَفَارَقُوا وأوطانهم، وَعَادَوْا إِخْوَانَهُمْ، وَصَبَرُوا عَلَى الشَّتَاتِ بَعْدَ الْأُلْفَةِ، وَعَلَى الذُّلِّ بَعْدَ الْعِزِّ، وَعَلَى الْفَقْرِ بَعْدَ الْغِنَى، وَعَلَى الشِّدَّةِ بَعْدَ الرَّخَاءِ، وَسِيرَتُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ. وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بذلك خليفة له.

وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ عَرَضَ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى أَرْبَعِينَ رَجُلًا أَمْكَنَ أَنْ يُجِيبُوهُ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ عَدَدٌ مِنْهُمْ - فَلَوْ أَجَابَهُ مِنْهُمْ عَدَدٌ من كان الذي يكون الخليفة بعده.

السَّابِعُ: أَنَّ حَمْزَةَ وَجَعْفَرًا وَعُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ أَجَابُوا إِلَى مَا أَجَابَهُ عَلِيٌّ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ

<<  <   >  >>