للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قِيلَ هَذَا كُلُّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ غَايَتُهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَعْضِ فُرُوعِ الدِّينِ، لَا تَكُونُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ رُكْنَ الْإِيمَانِ مَا لَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ رُكْنًا فِي الْإِيمَانِ لَا يَتِمُّ إِيمَانُ أَحَدٍ إِلَّا بِهِ، لَوَجَبَ أن يبينه الرَّسُولُ بَيَانًا عَامًّا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ كَمَا بَيَّنَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَالْإِيمَانَ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَكَيْفَ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِهِ أَنَّ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي دِينِهِ أَفْوَاجًا لَمْ يُشْتَرَطْ على أحد منهم في الإيمان بالإمامة، مطلقا ولا معينا.

(الوجه السادس) : قوله قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زمانه مات ميتة جاهلية.

فيقال لَهُ أَوَّلًا مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ؟ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بنقل عن النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الطَّرِيقِ الَّذِي به يثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله، هذا لَوْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، فَكَيْفَ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يعرف، إنما الحديث المعروف مثل رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فقال اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فَقَالَ إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حديثا سمعت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ((مَنْ

خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حجة له، ومن مات ليس فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)) (١) .

وَهَذَا حديث حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ لَمَّا خَلَعُوا طَاعَةَ أَمِيرِ وَقْتِهِمْ يَزِيدَ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ مَا كَانَ، ثُمَّ إِنَّهُ اقْتَتَلَ هُوَ وَهُمْ وَفَعَلَ بِأَهْلِ الْحَرَّةِ أُمُورًا مُنْكَرَةً، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَلَى وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ بالسيف، فإن لَمْ يَكُنْ مُطِيعًا لِوُلَاةِ الْأُمُورِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

وَهَذَا ضِدُّ قَوْلِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ مُخَالَفَةً لِوُلَاةِ الْأُمُورِ وَأَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ طَاعَتِهِمْ إِلَّا كُرْهًا، وَنَحْنُ نُطَالِبُهُمْ أَوَّلًا بِصِحَّةِ النقل ثم بتقدير أن يكون ناقله واحد،


(١) رواه مسلم ج٣ ص ١٤٧٨.

<<  <   >  >>