وَرَوَى أَخْطَبُ خُوَارَزْمَ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ((يَا عَلِيُّ إنَّ اللَّهَ زَيَّنَكَ بِزِينَةٍ لَمْ يُزَيِّنِ الْعِبَادَ بِزِينَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْهَا: زَّهَدك في الدنيا، وبغَّضها إليك، وحبَّب إِلَيْكَ الْفُقَرَاءَ، فَرَضِيتَ بِهِمْ أَتْبَاعًا، وَرَضُوا بِكَ إِمَامًا. يَا عَلِيُّ طُوبَى لِمَنْ أَحَبَّكَ وَصَدَّقَ عَلَيْكَ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ وَكَذَبَ عَلَيْكَ. أَمَّا مَنْ أَحَبَّكَ وَصَدَّقَ عَلَيْكَ فَإِخْوَانُكَ فِي دِينِكَ، وَشُرَكَاؤُكَ فِي جَنَّتِكَ. وَأَمَّا مَنْ أَبْغَضَكَ وَكَذَبَ عَلَيْكَ فَحَقِيقٌ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقِيمَهُمْ مَقَامَ الْكَذَّابِينَ.
قَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ الْعَصْرَ، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا بَيْنَ يَدَيْهِ صَفْحَةٌ فِيهَا لَبَنٌ حَارٌّ، وَأَجِدُ رِيحَهُ مِنْ شِدَّةِ حُمُوضَتِهِ، وَفِي يَدِهِ رَغِيفٌ أَرَى قُشَارَ الشَّعِيرِ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ يَكْسِرُ بِيَدِهِ أَحْيَانًا، فَإِذَا غَلَبَهُ كَسَرَهُ بِرُكْبَتِهِ، فَطَرَحَهُ فِيهِ، فَقَالَ: ادْنُ فأَصِب مِنْ طَعَامِنَا هَذَا. فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ مَنَعَهُ الصِّيَامُ عَنْ طَعَامٍ يَشْتَهِيهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَيَسْقِيَهُ مِنْ شَرَابِهَا. قَالَ: قُلْتُ لِجَارِيَتِهِ وَهِيَ قَائِمَةٌ: وَيْحَكِ يَا فِضَّةُ، أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي هَذَا الشَّيْخِ؟ أَلَا تَنْخُلِينَ طَعَامَهُ مِمَّا أَرَى فِيهِ مِنَ النخال؟ فقالت: لَقَدْ عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نَنْخُلَ لَهُ طَعَامًا. قَالَ: مَا قُلْتَ لَهَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي مَنْ لَمْ يُنخل لَهُ طَعَامٌ، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ البُرّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَاشْتَرَى يَوْمًا ثَوْبَيْنِ غَلِيظَيْنِ، فَخَيَّرَ قَنْبَرًا فِيهِمَا فَأَخَذَ وَاحِدًا وَلَبِسَ هُوَ الْآخَرَ، وَرَأَى فِي كُمِّهِ طُولًا عن أصابعه فقطعه. وقال ضِرَارُ بْنُ ضَمْرَةَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ قَتْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، فَقَالَ: صِفْ لِي عَلِيًّا. فَقُلْتُ: أَعْفِنِي. فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ.
فَقُلْتُ: أَمَّا إِذْ لَا بُدَّ، فَإِنَّهُ كَانَ وَاللَّهِ بَعِيدَ الْمَدَى، شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا، وَيَحْكُمُ عَدْلًا، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ. وَكَانَ وَاللَّهِ غَزِيرَ الْعَبْرَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ، وَمِنَ الطَّعَامِ مَا قَشُبَ، وَكَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا: يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ، وَيَأْتِينَا إِذَا دَعَوْنَاهُ، ونحن - وَاللَّهِ - مَعَ تَقْرِيبِهِ لَنَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ، وَيُقَرِّبُ الْمَسَاكِينَ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا ييأس الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ. فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُه وَهُوَ يَقُولُ: يَا دُنْيَا غرِّي غَيْرِي. أَلِيَ تعرضت؟ أم إليّ تشوفت؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute