فَلَيْسَ كُلُّ مَا تُنُوزِعَ فِيهِ عَقِبَ مَوْتِهِ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ أَشْرَفَ مِمَّا تُنُوزِعَ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فمعلوم أن مسائل التوحيد والصفات، والإثبات والتنزيه، والقدر، والتعديل، والتجويز والتحسين والتقبيح، أَهَمُّ وَأَشْرَفُ مِنْ
مَسَائِلِ الْإِمَامَةِ، وَمَسَائِلُ الْأَسْمَاءِ والأحكام والوعد والوعيد، والشفاعة والتخليد، أهم من مسائل الإمامة.
فَإِنْ كَانَتْ أَهَمَّ مَسَائِلِ الدِّينِ وَهُمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا، فَقَدْ فَاتَهُمْ مِنَ الدِّينِ أَهَمُّهُ وَأَشْرَفُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَالْعَدْلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاقِصًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقْصُودِ الْإِمَامَةِ، فَيَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ.
كَيْفَ وهم يسلمون أن مقصود الإمامة فِي الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا الْأُصُولُ الْعَقْلِيَّةُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْإِمَامِ، وَتِلْكَ هِيَ أَهَمُّ وَأَشْرَفُ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَوْلُكُمْ فِي الْإِمَامَةِ مِنْ أَبْعَدِ الْأَقْوَالِ عَنِ الصَّوَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا أَنَّكُمْ أَوْجَبْتُمُ الْإِمَامَةَ، لِمَا فِيهَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْخَلْقِ، فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَإِمَامُكُمْ صَاحِبُ الْوَقْتِ، لَمْ يَحْصُلْ لَكُمْ مِنْ جِهَتِهِ مَصْلَحَةٌ، لَا فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا.
فَأَيُّ سَعْيٍ أَضَلُّ مِنْ سَعْيِ مَنْ يَتْعَبُ التَّعَبَ الطَّوِيلَ، وَيُكْثِرُ الْقَالَ وَالْقِيلَ، وَيُفَارِقُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَلْعَنُ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ، وَيُعَاوِنُ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَيَحْتَالُ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ، وَيَسْلُكُ مَا أمكنه من السبل ويعتض بِشُهُودِ الزُّورِ، وَيُدَلِّي أَتْبَاعَهُ بِحَبْلِ الْغُرُورِ، وَيَفْعَلُ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَمَقْصُودُهُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِمَامٌ يَدُلُّهُ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَيُعَرِّفُهُ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ اسْمَ ذَلِكَ الْإِمَامِ وَنَسَبَهُ لَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ مِنْ مَطْلُوبِهِ، وَلَا وَصَلَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ تَعْلِيمِهِ وَإِرْشَادِهِ، وَلَا أَمْرِهِ ولا نهيه، ولا حصل له مِنْ جِهَتِهِ مَنْفَعَةٌ، وَلَا مَصْلَحَةٌ أَصْلًا، إِلَّا إِذْهَابَ نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَقَطْعَ الْأَسْفَارِ وَطُولَ الِانْتِظَارِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمُعَادَاةَ الْجُمْهُورِ، لِدَاخِلٍ فِي سِرْدَابٍ، لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ وَلَا خِطَابٌ.
وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ لَمَا حَصَلَ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِهَؤُلَاءِ المساكين، فكيف وعقلاء الناس يعلمون أن لَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا الْإِفْلَاسُ، وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيَّ لَمْ يَنْسَلَّ وَلَمْ يُعَقِّبْ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بالنسب.
وهم يقولون أنه دخل في السِّرْدَابَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَعُمْرُهُ إِمَّا سَنَتَانِ وَإِمَّا ثَلَاثٌ وَإِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute