للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدِيثِ الْمُخَالَّةِ، وَحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، وَحَدِيثِ: إِنَّهُ أَحَبُّ الرِّجَالِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَدِيثِ الْإِتْيَانِ إِلَيْهِ بَعْدَهُ، وَحَدِيثِ كِتَابَةِ الْعَهْدِ إِلَيْهِ بَعْدَهُ، وَحَدِيثِ تَخْصِيصِهِ بِالتَّصْدِيقِ ابْتِدَاءً وَالصُّحْبَةِ، وَتَرْكِهِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ((فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟)) ، وَحَدِيثِ دَفْعِهِ عَنْهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ لَمَّا وَضَعَ الرِّدَاءَ فِي عُنُقِهِ حَتَّى خَلَّصَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ؟! وَحَدِيثِ اسْتِخْلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْحَجِّ، وَصَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَانْقِيَادِ الْأُمَّةِ لَهُ، وَحَدِيثِ الْخِصَالِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ فِي يومٍ، وَمَا اجْتَمَعَتْ فِي رَجُلٍ إلا وجبت له الجنة، وأمثال ذلك (١) .

وَالْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ اخْتِصَاصِهِ فِي الصُّحْبَةِ الْإِيمَانِيَّةِ بِمَا لَمْ يَشْرَكْهُ مَخْلُوقٌ، لَا فِي قَدْرِهَا وَلَا فِي صِفَتِهَا وَلَا فِي نَفْعِهَا، فَإِنَّهُ لَوْ أُحْصِيَ الزَّمَانُ الَّذِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والزمان الذي كان يجتمع به فِيهِ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، لوُجد مَا يَخْتَصُّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ مَا اخْتَصَّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لَا أَقُولُ ضِعْفَهُ.

وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمْ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَصْدِيقِهِ لَهُ، فَهُوَ مُبَرَّزٌ فِي ذَلِكَ عَلَى سَائِرِهِمْ تَبْرِيزًا بَايَنَهُمْ فِيهِ مُبَايِنَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ، وَمَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ تُقبل شَهَادَتُهُ.

وَأَمَّا نَفْعُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَاوَنَتُهُ لَهُ عَلَى الدِّينِ فَكَذَلِكَ.

فَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مَقَاصِدُ الصُّحْبَةِ وَمَحَامِدُهَا، الَّتِي بِهَا يَسْتَحِقُّ الصَّحَابَةُ أَنْ يُفضَّلوا بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ، لِأَبِي بَكْرٍ فِيهَا مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِقَدْرِهَا وَنَوْعِهَا وَصِفَتِهَا وَفَائِدَتِهَا ما لا يشركه فيه أحد.

كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: ((إنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ)) فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِنَّ مِنْ أَمَنَّ النَّاسِ عليَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ ومودته)) (٢) .


(١) تقدمت هذه كلها.
(٢) انظر البخاري - الجمعة - الباب الثامن والعشرون ((من قال في الخطبة أما بعد)) ، انظر الفتح ج٢ ص ٤٠٤.

<<  <   >  >>