للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِمْ: {ِللفقراءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالَهُم َيبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ و َرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُم

الصَّادِقُون} (١) .

فَقَدِ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَهِدَ اللَّهُ لَهُمْ بِالصِّدْقِ، وَجَمِيعُ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عنه - م، عَلَى أَنْ سَمَّوْهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَمَعْنَى الْخَلِيفَةِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي يَسْتَخْلِفُهُ الْمَرْءُ، لَا الَّذِي يَخْلُفُهُ دُونَ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ هُوَ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا البتة في اللغة بلا خلاف، يقال: استخلف فلان فلانا يستخلفه فهو خليفته وَمُسْتَخْلِفُهُ، فَإِنْ قَامَ مَكَانَهُ دُونَ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ لَمْ يَقُلْ إِلَّا خَلَفَ فُلَانٌ فُلَانًا يَخْلُفُهُ فَهُوَ خَالِفٌ.

قَالَ: وَمُحَالٌ أَنْ يَعْنُوا بِذَلِكَ الاستخلاف على الصلاة، لوجهين ضروريين.

(أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَبُو بَكْرٍ قَطُّ هذا الاسم على الإطلاق في حياة النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حِينَئِذٍ خَلِيفَتُهُ عَلَى الصَّلَاةِ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ خِلَافَتَهُ الْمُسَمَّى بِهَا هِيَ غَيْرُ خِلَافَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ.

(وَالثَّانِي) : أَنَّ كُلَّ من استخلفه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ، كَعَلِيٍّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَسَائِرِ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْبِلَادِ بِالْيَمَنِ، وَالْبَحْرَيْنِ، والطائف، وغيرها، لم يستحق أحد منهم بلا خلاف بين أحد من الأئمة أَنْ يُسَمَّى خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَحَّ يَقِينًا بِالضَّرُورَةِ الَّتِي لَا مَحِيدَ عَنْهَا أَنَّهَا الْخِلَافَةُ بَعْدَهُ، عَلَى أُمَّتِهِ.

وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ نَصًّا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا إِلَّا اسْتِخْلَافُهُ فِي الصَّلَاةِ، لَمْ يَكُنْ أَبُو بكر أولى بهذا الاسم من سائر من ذكرناه، قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ صَحَّتْ. أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا

رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ، كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ؟ قَالَ: ((فَأْتَى أَبَا بَكْرٍ)) (٢) قَالَ: وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ.

قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخَبَرَ قَدْ جَاءَ مِنَ الطُّرُقِ الثَّابِتَةِ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ إِلَى أَبِيكِ وَأَخِيكِ وَأَكْتُبَ كِتَابًا وَأَعْهَدَ عَهْدًا لِكَيْلَا


(١) الآية ٨ من الحشر.
(٢) تقدم تخريجه قريبا.

<<  <   >  >>