للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ، فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} ((١) .

وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً: { (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَنْتُمُ اْلأَعْلَوْنَ} (٢) .

وَقَالَ: { (وَلَقَدْ أَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمُ * لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} ((٣) . فَقَدَ نَهَى نَبِيَّهُ عَنِ الْحُزْنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ جُمْلَةً، فعُلم أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْإِيمَانَ.

وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَاقِصٌ عمَّن هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ حَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلُ مِنْ حَالِ أَبِي بَكْرٍ. وَهَذَا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أحدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَلَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عُمَرَ أَوْ غَيْرَهُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْحَالِ، ولو كانوا معه لم يُعلم حَالَهُمْ يَكُونُ أَكْمَلُ مِنْ حَالِ الصدِّيق، بَلِ الْمَعْرُوفُ مِنْ حَالِهِمْ دَائِمًا وَحَالِهِ، أَنَّهُمْ وَقْتَ الْمَخَاوِفِ يَكُونُ الصدِّيق أَكْمَلَ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ يَقِينًا وَصَبْرًا، وَعِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِ الرَّيْبِ يَكُونُ الصِّدِّيقُ أعظم يقينا وطمأنينة، وعندما يَتَأَذَّى مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ الصِّدِّيقُ أَتْبَعَهُمْ لِمَرْضَاتِهِ، وَأَبْعَدَهُمْ عَمَّا يُؤْذِيهِ.

هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ لِكُلِّ مَنِ اسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ فِي مَحْيَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - وبعد وفاته.

وَأَيْضًا فَقِصَّةُ يَوْمِ بَدْرٍ فِي الْعَرِيشِ، وَيَوْمِ الحديبية في طمأنينته وسكينته معروفة، برز ذلك على سائر الصحابة، فكيف ينسب إلى الْجَزَعِ؟!

وَأَيْضًا فَقِيَامُهُ بِقِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَتَثْبِيتِ الْمُؤْمِنِينَ، مَعَ تَجْهِيزِ أُسَامَةَ، مِمَّا يُبَيِّنُ أنه أعظم الناس طمأنينة ويقينا.

والسنُّى لَا يُنَازِعُ فِي فَضْلِهِ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَكِنَّ الرَّافِضِيَّ الَّذِي ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْمَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ دعواهُ بُهت وَكَذِبٌ وَفِرْيَةٌ؛ فَإِنَّ مَنْ تَدَبَّرَ سِيرَةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّهُمَا كَانَا فِي الصبر والثابت وَقِلَّةِ الْجَزَعِ فِي الْمَصَائِبِ أَكْمَلَ مِنْ عَلِيٍّ، فَعُثْمَانُ حَاصَرُوهُ وَطَلَبُوا خَلْعَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ أَوْ قَتْلَهُ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَهُوَ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ مُقَاتَلَتِهِمْ، إِلَى أَنْ قُتل شَهِيدًا، وَمَا دَافَعَ عَنْ نَفْسِهِ. فَهَلْ هَذَا إلا من أعظم الصبر على المصائب؟!


(١) الآية ١٢٧ من سورة النحل.
(٢) الآية ١٣٩ من سورة آل عمران.
(٣) الآيتان ٨٧، ٨٨ من سورة الحجر.

<<  <   >  >>