برسولٍ آخَرَ غَيْرِ مُحَمَّدٍ، كَأَتْبَاعِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، فَهُوَ أَعْظَمُ رِدَّةً مِمَّنْ لَمْ يُقِرَّ بِطَاعَةِ الْإِمَامِ، مَعَ إِيمَانِهِ بِالرَّسُولِ.
فَبِكُلِّ حَالٍ لَا يُذكر ذنبٌ لِمَنْ قَاتَلَهُ عليٌّ إِلَّا وَذَنْبُ مَنْ قَاتَلَهُ الثَّلَاثَةُ أَعْظَمُ، وَلَا يُذكر فضلٌ وَلَا ثَوَابٌ لِمَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ إِلَّا وَالْفَضْلُ وَالثَّوَابُ لِمَنْ قَاتَلَ مَعَ الثَّلَاثَةِ أَعْظَمُ.
هَذَا بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَاتَلَهُ عَلِيٌّ كَافِرًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ، لَا يَقُولُهُ إِلَّا حُثَالَةُ الشِّيعَةِ، وَإِلَّا فَعُقَلَاؤُهُمْ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ. وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُكَفِّرُونَ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا سُلِّم أَنَّ ذَلِكَ الْقِتَالَ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ. كَيْفَ وَقَدْ عُرف نِزَاعُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ بِعْدَهُمْ فِي هَذَا الْقِتَالِ: هَلْ كَانَ مِنْ بَابِ قِتَالِ الْبُغَاةِ الَّذِي وُجِدَ فِي شَرْطِ وُجُوبِهِ الْقِتَالُ فِيهِ، أَمْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْمُوجِبِ لِلْقِتَالِ؟!
وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ قِتَالَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقِتَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَأَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ مِنَ الدخول فيه، بل عدُّوه قتال فتنة.
وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَجُمْهُورُ أَئِمَّةِ الفقهاء.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْآيَةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْقِتَالَ مع علي قطعا ً لأنه قال: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ أَحَدِ أمرين: الْمُقَاتَلَةُ، أَوِ الْإِسْلَامُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ دَعَا إليهم عليّ فِيهِمْ خَلْقٌ لَمْ يُقَاتِلُوهُ أَلْبَتَّةَ، بَلْ تَرَكُوا قِتَالَهُ فَلَمْ يُقَاتِلُوهُ وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ، فَكَانُوا صِنْفًا ثَالِثًا: لَا قَاتَلُوهُ وَلَا قَاتَلُوا مَعَهُ وَلَا أَطَاعُوهُ، وَكُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى إِسْلَامِهِمُ الْقُرْآنُ وَالسَّنَةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ: عليٌّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ تَعَالَى: { (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (١) ، فَوَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ مَعَ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ، وأخبَر أَنَّهُمْ إِخْوَةٌ وَأَنَّ الأُخوّة لَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ المؤمنين، لا بين مؤمن وكافر.
وَأَمَّا تَكْفِيرُ هَذَا الرَّافِضِيِ وَأَمْثَالِهِ لَهُمْ، وَجَعْلُ رُجُوعِهِمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ إِسْلَامًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا زَعَمَهُ - يَا عَلِيُّ حربك حربي.
(١) الآية٩ من سورة الحجرات.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute