للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثًا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَمِضْ فِيهَا بِكَبِيرِ نَوْمٍ، يُشَاوِرُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ والتابعين لهم بإحسان، ويشاور أمراء الأمصار وَكَانُوا قَدْ حَجُّوا مَعَ عُمَرَ ذَلِكَ الْعَامَ، فأشار عليه المسلمون بولاية عثمان.

وذكرهم أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَدَّمُوا عُثْمَانَ فَبَايَعُوهُ، لَا عَنْ رَغْبَةٍ أَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا وَلَا عَنْ رَهْبَةٍ أَخَافَهُمْ بِهَا، وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ والأئمة كأيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني وغيرهم: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَهَذَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوهُ بِاخْتِيَارِهِمْ، وَاشْتِوَارِهِمْ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلِيٌّ بِمُبَايَعَةِ الْخَلْقِ لَهُ فتخصيصه عليّا بمبايعة الخلق دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَلَامٌ ظَاهِرُ الْبَطَلَانِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ مَنْ عَرَفَ سِيرَةَ الْقَوْمِ، أَنَّ اتِّفَاقَ الْخَلْقِ وَمُبَايَعَتَهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَعْظَمُ مِنِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى بيعة عثمان أعظم من اتفاقهم عَلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ وَالَّذِينَ بَايَعُوا عُثْمَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا، فَإِنَّهُ بَايَعَهُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وطلحة والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود والعباس بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَمْثَالُهُمْ مع سكينة وطمأنينة، وبعد مُشَاوَرَةِ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ الله عنه - فإنه بويع عقب قَتْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْقُلُوبُ مُضْطَرِبَةٌ، مُخْتَلِفَةٌ وَأَكَابِرُ الصَّحَابَةِ مُتَفَرِّقُونَ وَأُحْضِرَ طَلْحَةُ إِحْضَارًا حَتَّى قَالَ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ جَاءُوا بِهِ مكرها، وأنه قال بايعت واللج عَلَى قَفَيَّ وَكَانَ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ بِالْمَدِينَةِ شَوْكَةٌ لَمَّا قَتَلُوا عُثْمَانَ، وَمَاجَ النَّاسُ لِقَتْلِهِ مَوْجًا عَظِيمًا، وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُبَايِعْ عَلِيًّا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَمْثَالِهِ، وَكَانَ النَّاسُ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ، صِنْفٌ قَاتَلُوا مَعَهُ، وَصِنْفٌ قَاتَلُوهُ، وَصِنْفٌ لَمْ يُقَاتِلُوهُ وَلَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ، فَكَيْفَ

يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي عَلِيٍّ بِمُبَايَعَةِ الْخَلْقِ لَهُ، وَلَا يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مبايعة الثلاثة ولم يختلف عليهم أحد لما بايعهم الناس، كلهم لا سيما عثمان.

وأما أبو بكر - رضي الله عنه - فَتَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ سَعْدٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَيَّنُوهُ لِلْإِمَارَةِ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ مَا يَبْقَى فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ، وَلَكِنْ هُوَ مَعَ هَذَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُعَارِضْ، وَلَمْ يَدْفَعْ حَقًّا، وَلَا أَعَانَ

<<  <   >  >>