للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُمْ مِنْ أَجْهَلِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ بِالنَّظَرِيَّاتِ، وَلِهَذَا كَانُوا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، مِنْ أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين، وَمِنْهُمْ مَنْ أَدْخَلَ عَلَى الدِّينِ مِنَ الْفَسَادِ، مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا رَبُّ الْعِبَادِ فَمَلَاحِدَةُ الاسماعيلية، والنصيرية، وغيرهم من الباطنية المنافقين، من بابهم دخلوا.

وأعداءالاسلام مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ بِطَرِيقِهِمْ وَصَلُوا، وَاسْتَوْلَوْا بِهِمْ عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَسَبَوُا الْحَرِيمَ، وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ، وَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَجَرَى عَلَى الْأُمَّةِ بمعاونتهم من فساد الدنيا والدين ما لا يعلمه إلا رب العالمين.

إذا كَانَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ مِنْ إِحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ الْمُنَافِقِينَ، الَّذِينَ عَاقَبَهُمْ فِي حَيَاتِهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحَرَّقَ مِنْهُمْ طَائِفَةً بِالنَّارِ، وَطَلَبَ قَتْلَ بَعْضِهِمْ فَفَرُّوا مِنْ سَيْفِهِ الْبَتَّارِ، وَتَوَعَّدَ بِالْجَلْدِ طَائِفَةً مُفْتَرِيَةً فِيمَا عُرِفَ عَنْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ، إِذْ قَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ. عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، وقد أسمع من حضر: ((خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، أَبُو بَكْرٍ ثم عمر)) (١)

وبذلك أجاب ابنه محمد بن الْحَنَفِيَّةِ، فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ من علماء الملة الحنيفية.

وَلِهَذَا كَانَتِ الشِّيعَةُ الْمُتَقَدِّمُونَ الَّذِينَ صَحِبُوا عَلِيًّا، أَوْ كَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ نِزَاعُهُمْ فِي تَفْضِيلِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، وَهَذَا مِمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ عُلَمَاءُ الشِّيعَةِ الْأَكَابِرُ مِنَ الْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ حَتَّى ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيُّ.

قَالَ: سَأَلَ سَائِلٌ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ الله، فَقَالَ لَهُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ لَهُ: أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ لَهُ السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ. مَنْ لَمْ يَقُلْ هَذَا فليس شيعيا، والله لقد رقى هذه الأعواد علي، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثم عمر فكيف نرد قوله؟ وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذابا. نَقَلَ هَذَا عَبْدُ الْجَبَّارِ الْهَمْدَانِيُّ فِي كِتَابِ تَثْبِيتِ النُّبُوَّةِ (٢) .

قَالَ ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيُّ في النقض على ابن الراوندي على اعتراضه على الجاحظ.


(١) انظر البخاري ج٥ص٧ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنن أبي داود ج٤ص٢٨٨ وابن ماجه ج١ص٣٩ وغيرها.
(٢) ... هُوَ الْقَاضِي عِمَادُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الجبار بن أحمد الهمداني شيخ المعتزلة في وقته وكتابه تثبيت دلائل النبوة من أحسن الكتب في هذا الباب وانظر هذا الأثر فيه ج٢ص٥٤٩.

<<  <   >  >>