الغني الخفيّ)) (١) .
هذا وَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى غَيْرُهُ وَغَيْرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ الَّذِي فَتَحَ الْعِرَاقَ، وَأَذَلَّ جُنُودَ كِسْرَى وَهُوَ آخِرُ الْعَشْرَةِ مَوْتًا.
فَإِذَا لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُشَبَّهَ بِابْنِهِ عُمَرَ أَيُشَبَّهُ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، هَذَا وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ، بَلْ يُفَضِّلُونَ مُحَمَّدًا وَيُعَظِّمُونَهُ، وَيَتَوَلَّوْنَهُ لِكَوْنِهِ آذَى عُثْمَانَ وَكَانَ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ عَلِيٍّ لِأَنَّهُ كَانَ رَبِيبَهُ، وَيَسُبُّونَ أَبَاهُ أَبَا بَكْرٍ وَيَلْعَنُونَهُ، فَلَوْ أَنَّ النَّوَاصِبَ فَعَلُوا بِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ مِثْلَ ذَلِكَ فَمَدَحُوهُ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ، لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ، وَمِنَ الْمُنْتَصِرِينَ لَهُ، وَسَبُّوا أباه سعد لِكَوْنِهِ تَخَلَّفَ عَنِ الْقِتَالِ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَالِانْتِصَارِ لِعُثْمَانَ، هَلْ كَانَتِ النَّوَاصِبُ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الرَّافِضَةِ.
بَلِ الرَّافِضَةُ شَرٌّ مِنْهُمْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ سَعْدٍ، وَعُثْمَانُ كَانَ أَبْعَدَ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ مِنَ الحسين، وكلاهما مظلوم وشهيد رضي الله تعالى عنهما، وَلِهَذَا كَانَ الْفَسَادُ الَّذِي حَصَلَ فِي الْأُمَّةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ أَعْظَمَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي حَصَلَ فِي الْأُمَّةِ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ.
وَعُثْمَانُ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ خَلِيفَةٌ مَظْلُومٌ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ ينعزل بغير حق فلم ينعزل ولم يقاتل عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى قُتِلَ، وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا وَإِنَّمَا كَانَ طَالِبًا لِلْوِلَايَةِ، حَتَّى رَأَى أَنَّهَا مُتَعَذِّرَةٌ وَطُلِبَ مِنْهُ ليستأسر لِيُحْمَلَ إِلَى يَزِيدَ مَأْسُورًا، فَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذلك وقاتل حتى قتل مظلوما، شهيدا، فَظُلْمُ عُثْمَانَ كَانَ أَعْظَمَ وَصَبْرُهُ وَحِلْمُهُ كَانَ أَكْمَلَ، وَكِلَاهُمَا مَظْلُومٌ شَهِيدٌ، وَلَوْ مَثَّلَ مُمَثِّلٌ طَلَبَ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ لِلْأَمْرِ بِطَلَبِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ كَالْحَاكِمِ وأمثاله وقال إن علي والحسين كانا ظالمين طالبين للرياسة من غير حَقٍّ، بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ
وَأَمْثَالِهِ مِنْ مُلُوكِ بَنِي عُبَيْدٍ، أَمَا كَانَ يَكُونُ كَاذِبًا مُفْتَرِيًا فِي ذلك لصحة إيمان الحسن وَالْحُسَيْنِ، وَدِينِهِمَا وَفَضْلِهِمَا، وَلِنِفَاقِ هَؤُلَاءِ وَإِلْحَادِهِمْ.
وَكَذَلِكَ مَنْ شَبَّهَ عَلِيًّا وَالْحُسَيْنَ بِبَعْضِ مَنْ قَامَ مِنَ الطَّالِبِيِّينَ أَوْ غَيْرِهِمْ بِالْحِجَازِ، أَوِ الشَّرْقِ أَوِ الْغَرْبِ يَطْلُبُ الْوِلَايَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَظْلِمُ النَّاسَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، أَمَا كَانَ يَكُونُ ظالما كاذبا؟ فالمشبه بأبي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ أَوْلَى بِالْكَذِبِ والظلم، ثم غاية
(١) انظر المسند ج٣ ص٢٦ تحقيق أحمد شاكر، وانظر صحيح مسلم ج٤ ص٢٢٧٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute