للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دعا عليهم، فقال: اللَّهُمَّ إِنِّي سَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْرًا مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرًّا مِنِّي، وَقَدْ كَانُوا يَغُشُّونَهُ وَيُكَاتِبُونَ مَنْ يُحَارِبُهُ، وَيَخُونُونَهُ فِي الْوِلَايَاتِ، وَالْأَمْوَالِ، هَذَا وَلَمْ يَكُونُوا بَعْدُ صَارُوا رَافِضَةً، إنما سمعوا شِيعَةَ عَلِيٍّ لَمَّا افْتَرَقَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةٌ شايعت أولياء عثمان، وفرقة شايعت أولياء عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأُولَئِكَ خِيَارُ الشِّيعَةِ، وَهُمْ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مُعَامَلَةً لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَابْنَيْهِ سِبْطَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وريحانته في الدنيا الحسن والحسين، وهم أعظم النَّاسِ قَبُولًا لِلَوْمِ اللَّائِمِ فِي الْحَقِّ، وَأَسْرَعُ الناس إلى الفتنة، وَأَعْجَزَهُمْ عَنْهَا، يَغُرُّونَ مَنْ يُظْهِرُونَ نَصْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى إِذَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِمْ وَلَامَهُمْ عَلَيْهِ اللَّائِمُ، خَذَلُوهُ وَأَسْلَمُوهُ وَآثَرُوا عَلَيْهِ الدُّنْيَا، وَلِهَذَا أَشَارَ عُقَلَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَنُصَحَاؤُهُمْ

عَلَى الْحُسَيْنِ أَنْ لَا يَذْهَبَ إِلَيْهِمْ، مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن الحرث بْنِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِمْ، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَخْذُلُونَهُ، وَلَا ينصرونه، ولا يوفون له بما كتبوا به إِلَيْهِ، وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا رَأَى هَؤُلَاءِ، وَنَفَذَ فيهم دعاء عمر بن الخطاب، ثُمَّ دُعَاءُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

حَتَّى سلط الله عليهم الحجاج بن يوسف، كان لا يقبل مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَدَبَّ شَرُّهُمْ إِلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ، حَتَّى عَمَّ الشَّرُّ، وَهَذِهِ كُتُبُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي ذُكِرَ فيها زهاد الأمة لَيْسَ فِيهِمْ رَافِضِيٌّ.

كَيْفَ وَالرَّافِضِيُّ مِنْ جِنْسِ الْمُنَافِقِينَ، مَذْهَبُهُ التَّقِيَّةُ فَهَلْ هَذَا حَالَ مَنْ لا تأخذه بالله لَوْمَةُ لَائِمٍ، إِنَّمَا هَذِهِ حَالُ مَنْ نَعَتَهُ الله في كتابه بقوله: {َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دِيِنهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهَ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمْ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم} (١) .

وهذه حَالُ مَنْ قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ، وَأَوَّلُهُمْ الصِّدِّيقُ، وَمَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهُمُ الَّذِينَ جَاهَدُوا الْمُرْتَدِّينَ، كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، وَغَيْرِهِمَا وَهُمُ الَّذِينَ فَتَحُوا الْأَمْصَارَ، وَغَلَبُوا فَارِسَ وَالرُّومَ، وَكَانُوا أَزْهَدَ النَّاسِ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود


(١) الآية ٥٤ من سورة المائدة.

<<  <   >  >>