يقوله، قال الحسن: قالوا: ما هذا الرجل إلا أذن من شاء صرفه كيف شاء، ليست له عزيمة، فقال الله: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة: ٦١] أي: مستمع خير وصلاح، لا مستمع شر وفساد، وروى البرجمي: أذنٌ خير لكم بالتنوين على وصف الأذن بخير، ومعناه: أن يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل قولكم، وقوله: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦١] أي: يسمع ما ينزله الله، فيصدقه، ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه، أي: إنما يصدق المؤمنين لا المنافقين.
قوله: {وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [التوبة: ٦١] أي: وهو رحمة الله لأنه كان سبب إيمان المؤمنين، وقرأ حمزة: ورحمة بالجر عطفا على خير كأنه أذن خير ورحمة، أي: مستمع رحمة، ثم أوعد هؤلاء المنافقين فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: ٦١] .
قوله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} [التوبة: ٦٢] أي: يحلف هؤلاء المنافقون فيما يبلغكم عنهم من أذى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والطعن عليه أنهم ما قالوا ذلك، قال الزجاج: حلفوا أنهم ما قالوا ما حكي عنهم، ليرضوا المؤمنين بيمينهم.
{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦٢] أي: إن كانوا على ما قالوا من الإيمان كان ترك عيبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والطعن عليه أولى ليكونوا مؤمنين بقبول قوله وترك عيبه، ثم أوعدهم بقوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: ٦٣] قال ابن عباس: من يخالف الله ورسوله بتكذيب نبيه، والإظهار باللسان خلاف ما في القلب.
والمحادة كالمجانبة والمخالفة، والمعنى: ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن من عادى الله ورسوله استحق العذاب؟ وهو قوله: {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [التوبة: ٦٣] الآية.
قوله تعالى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ الآية: قال مجاهد: كان المنافقون يعيبون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما بينهم، ويقولون: عسى الله ألا يفشي علينا سرنا، فأنزل الله هذه الآية.
ومعنى يحذر المنافقون الإخبار عنهم بما كانوا يخافون من هتكهم وفضيحتهم، وهو قوله: {أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٦٤] أي: على المؤمنين {سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة: ٦٤] بما في قلوب المنافقين من الحسد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعداوة للمؤمنين، وقوله: قُلِ اسْتَهْزِئُوا أمر وعيد، {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ} [التوبة: ٦٤] مظهر مَا تَحْذَرُونَ ظهوره، ثم فعل ذلك بأن ألهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معرفتهم فقال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠] .
قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ} [التوبة: ٦٥] الآية: قال الكلبي، ومقاتل: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راجعا من غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر يسيرون فجعل رجلان منهم يستهزئان بالقرآن، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والثالث يضحك، فأطلع الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ} [التوبة: ٦٥] أي: في الباطل من الكلام كما يخوض الركب نقطع به الطريق، وَنَلْعَبُ، فقال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥] .
٤١٧ - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْزَقِيُّ، أنا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِشْرٍ، نا أَبُو جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْحُلْوَانِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ دَاوُدَ الْمِخْرَاقِيُّ، نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَسِيرُ قُدَّامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحِجَارَةُ تَنْكِيهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥]