للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَالَمِينَ} [يونس: ٧-١٠] قوله: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [يونس: ٧] قال ابن عباس، ومقاتل: لا يخافون البعث لأنهم لا يؤمنون به.

والرجاء ههنا بمعنى الخوف كقوله: {لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: ١٣] ، {وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: ٧] بدلا من الآخرة، وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ركنوا إليها لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، {وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} [يونس: ٧] يعني: آيات القرآن وما فيها من الفرائض والأحكام.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: ٩] قال المفسرون: يهديهم ربهم إلى الجنة ثوابا لهم بإيمانهم.

وقال مجاهد: يكون لهم نور يمشون به.

وقال مقاتل: يهديهم بالنور على الصراط إلى الجنة.

وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [يونس: ٩] أي: بين أيديهم وهم يرونها من أسرتهم وقصورهم، وقوله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} [يونس: ١٠] الدعوى مصدر كالدعاء، ذكرنا ذلك في قوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} [الأعراف: ٥] ، قال ابن عباس: كلما اشتهى أهل الجنة شيئا قالوا: سبحانك اللهم.

فجاء ما يشتهون فإذا طعموا مما يشتهون قالوا: الحمد لله رب العالمين.

فذلك قوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: ١٠] .

وقوله: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس: ١٠] يحيي بعضهم بعضا بالسلام وتحية الملائكة إياهم، وتحية الله سلام، {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: ١٠] قال الزجاج: أعلم الله أنهم يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه، ويختمون بشكره والثناء عليه.

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: ١١-١٤] قوله: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} [يونس: ١١] التعجيل: تقديم الشيء قبل وقته، والاستعجال: طلب العجلة، قال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وولده وأهله وماله بما يكره أن يستجاب له.

وقال ابن قتيبة: إن الناس عند الغضب والضجر يدعون على أنفسهم وأهليهم وأولادهم بالموت وتعجيل البلاء، كما يدعون بالرزق والرحمة وإعطاء السؤال، يقول: فلو أجابهم الله إذا دعوا بالشر الذي يستعجلون به استعجالهم بالخير {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: ١١] .

قال عامة المفسرين: لماتوا وهلكوا جميعا وفرغ من هلاكهم.

وتحقيق التأويل: لو أجيبوا إلى ما يدعون به من الشر والعذاب لفرغ إليهم من أجلهم بأن ينقضي الأجل فيموتوا ويحصلوا في العذاب والبلاء، وقرأ ابن عامر لقَضى إليهم أجلهم بفتح القاف على إسناد الفعل إلى الله لأن ذكره قد تقدم، وذكر أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} [الأنفال: ٣٢] الآية، يدل على صحة هذا قوله: {فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس: ١١] يعني: الكفار الذين لا يخافون البعث، قوله: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} [يونس: ١٢] أي: مضطجعا على جنبه، قال ابن عباس: إذا أصاب الكافر ما يكره من فقر أو مرض أو بلاء أو شدة أخلص في الدعاء مضطجعا كان أو قائما أو قاعدا.

{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ} [يونس: ١٢] طاغيا على ترك الشكر ولم يتعظ بما ناله، {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس: ١٢] قال الحسن: نسي ما دعا الله فيه وما صنع الله به فيما كشف عنه من البلاء، {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس: ١٢] أي: كما زين لهذا الكافر الدعاء عند البلاء والإعراض عند الرخاء زين للمسرفين عملهم، يريد المشركين، قال ابن كيسان: أسرفوا على أنفسهم إذ عبدوا الوثن.

قال عطاء: نزلت الآية في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة.

قوله: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [يونس: ١٣] يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية، {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [يونس: ١٣] بالمعجزات الظاهرة، {وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} [يونس: ١٣] قال ابن الأنباري: ألزمهم الله ترك الإيمان لمعاندتهم الحق وإيثارهم الباطل.

وقال الزجاج: أعلم الله أنهم لا يؤمنون ولو بقاهم أبدا، لأنه جعل جزاءهم بكفرهم الطبع على قلوبهم.

كما

<<  <  ج: ص:  >  >>