يريد أنزلناهم مُبَوَّأَ صِدْقٍ ما بين المدينة والشام في أرض يثرب {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}[يونس: ٩٣] من النخل وما فيها من الرطب والتمر فَمَا اخْتَلَفُوا في تصديق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه نبي {حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}[يونس: ٩٣] قال ابن عباس: يريد: القرآن الذي جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الفراء: العلم: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه كان معلوما بنعته، وذلك أنه لما جاءهم اختلفوا فيه وفي تصديقه، فكفر به أكثرهم.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[يونس: ٩٣] من أمرك يعني: أنه يدخل المصدقين به الجنة، والمكذبين به النار.
{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {٩٤} وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ {٩٥} } [يونس: ٩٤-٩٥] قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ}[يونس: ٩٤] قال أكثر أهل العلم: هذا الخطاب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمراد به غيره من الشكاك، والقرآن نزل بلغة العرب، وهم قد يخاطبون الرجل بالشي يريدون غيره مثل هذا قوله:{يَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ}[الأحزاب: ١] الآية، الخطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمراد به غيره، يدل على ذلك قوله:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[النساء: ٩٤] ولم يقل: بما تعمل.
وقال الزجاج: إن الله يخاطب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك الخطاب شامل للخلق، والمعنى: فإن كنتم في شك فاسألوا، والدليل على ذلك، قوله في آخر ال { [:] قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ}[سورة يونس: ١٠٤] الآية.
وهذا مذهب ابن عباس، والحسن، وأكثر أهل التأويل، قال ابن عباس: لم يرد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه لم يشك في الله ولا في ما أوحي إليه، ولكن يريد من آمن به وصدقه، أمرهم أن يسألوا لئلا ينافقوا كما شك المنافقون.