واحد منهم إلا يهوذا فإنه لم يأخذ شيئا.
فذلك قوله: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: ٢٠] أي: قليلة، وذكر العدد عبارة عن القلة {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: ٢٠] والزهد والزهادة: قلة الرغبة في الشيء، يريد: أن إخوة يوسف كانوا من الزاهدين في يوسف لأنهم لم يعرفوا موضعه من الله ولا كرامته عليه، ويجوز أن يكون المعنى: أنهم كانوا زاهدين في ذلك الثمن إما لرداءته، وإما لأن قصدهم كان تبعيد يوسف لا الثمن، ثم انطلق مالك بن ذعر وأصحابه بيوسف وتبعهم إخوته يقولون لهم: استوثقوا منه فإنه آبق سارق كاذب وقد برئنا إليكم من عيوبه، فحمله مالك على ناقة وصار به نحو مصر، وكان طريقهم على قبر أمه، فلما بلغ قبر أمه أسقط نفسه من الناقة على القبر وهو يبكي ويقول: يا أمي ارفعي رأسك من الثرى وانظري إلى ولدك يوسف وما لقي بعدك من البلاء، يا أماه لو رأيت ضعفي وذلي لرحمتيني، يا أماه لو رأيتيني وقد نزعوا قميصي وشدوني وفي الجب ألقوني، وعلى خد وجهي لطموني، وبالحجارة رجموني.
وفقده مالك فصاح في القافلة: ألا إن الغلام قد رجع إلى أهله.
فطلبه القوم فرأوه، فأقبل إليه رجل منهم وقال: يا غلام قد أخبرنا مواليك أنك آبق سارق فلم نصدق حتى رأيناك تفعل ذلك.
فقال: والله ما أبقت ولكنكم مررتم على قبر أمي فلم أتمالك أن رميت بنفسي على قبرها.
قال: فرفع يديه ولطم وجهه وجره حتى حمله على ناقته، وذهبوا به حتى قدموا مصر فأمره مالك بن ذعر حتى اغتسل، ولبس ثوبا حسنا، وعرضه على البيع فاشتراه قطفير بن روحيب وهو العزيز بمصر، وكان على خزائن الملك الأعظم وصاحب أمره.
قال مقاتل بن سليمان: اشتراه بعشرين دينارا وحلة ونعلين.
وقال وهب: ترافع الناس في ثمنه وتزايدوا حتى بلغ ثمنه وزنه مسكا وورقا وحريرا، فابتاعه قطفير بهذا الثمن فلما اشتراه وأتى به منزله قال لامرأته واسمها راعيل: أكرمي مثواه.
فذلك قوله: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {٢١} وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {٢٢} } [يوسف: ٢١-٢٢] {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: ٢١] قال ابن عباس: أكرميه ما كان عندك.
وقال الزجاج: أحسني إليه في طول مقامه عندنا.
يقال: ثوى يثوي ثوى ومثوى.
{عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} [يوسف: ٢١] أي: يكفينا إذا بلغ وفهم الأمور، يقضي بعض شئوننا.
٤٦٩ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّيْمِيُّ، أنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلاثَةٌ: الْعَزِيزُ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ فَقَالَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَتْ مُوسَى فَقَالَتْ لأَبِيهَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ
وقوله: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: ٢١] أي: نتبناه وكان العزيز عقيما أو حصورا لا يولد له، وقوله: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي