للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كقوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد: ٣٠] إلى آخره.

قوله {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ} [الرعد: ٣٧] أي: وكما أنزلنا الكتب على الأنبياء الذين تقدموا، أنزلنا إليك القرآن، {حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: ٣٧] قال ابن عباس: يريد ما حكم من الفرائض في القرآن، {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [الرعد: ٣٧] بوحدانية الله تعالى، وذلك أن المشركين دعوه إلى ملة آبائه، فتوعده الله على اتباع أهواءهم بقوله: {مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد: ٣٧] أي: ما لك من عذاب الله مانع يمنعك.

قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ {٣٨} يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ {٣٩} وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ {٤٠} } [الرعد: ٣٨-٤٠] {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ} [الرعد: ٣٨] قال الكلبي: عيرت اليهود رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالت: ما نرى للرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء.

فأنزل الله هذه الآية، يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ} [الرعد: ٣٨] وجعلناهم بشرا لهم أزواج فنكحوهن، وأولاد أنسلوهم، وذلك قوله: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: ٣٨] .

٤٩٣ - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْوَاعِظُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نا حُسَيْنُ بْنُ رَافِعٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَبَتَّلَ، قَالَتْ: فَلا تَفْعَلْ، أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: ٣٨] فَلا تَتَبَتَّلْ.

وقوله: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الرعد: ٣٨] هذا جواب للذين تحكموا عليه في طلب الآيات، والمعنى: أن حال محمد كحال الرسل الذين تقدموا في أنهم كانوا لا يأتون بآية إلا بإذن ربهم، لا على تحكم العباد بأهوائهم، {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: ٣٨] لكل أجل قدره الله، ولكل أمر قضاه كتاب أثبت فيه، فلا تكون آية إلا بأجل قد قضاه الله في كتاب، وكذلك كل أمر.

قوله: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩] ذهب قوم إلى أن هذا عام في كل شيء، كما يقتضيه ظاهر اللفظ، وقالوا: إن الله يمحو من الرزق ويزيد فيه، ومن الأجل، ويمحو السعادة والشقاوة، وهو مذهب عمر، وابن مسعود، وأبي وائل، وقتادة، والضحاك، وابن جريج، قالوا: أم الكتاب عند الله يمحو الله ما يشاء منه ويثبت.

ونحو هذا روى أبو الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «إن الله سبحانه في ثلاث ساعات يبقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر

<<  <  ج: ص:  >  >>