والمعنى أنه خاف تضييع بني عمه الدين، ونبذهم إياه، فسأل ربه وليا يرث نبوته وعلمه، لئلا يضيع الدين، وحمله على هذه المسألة ما شاهد من بني إسرائيل من تبديل الدين، وقتل الأنبياء، وهذا معنى قول عطاء، عن ابن عباس: يريد بالموالي بني إسرائيل، وكانوا يبدلون الدين، ويقتلون الأنبياء.
{وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم: ٥] عقيما لا تلد، وهذا إخبار عن خوفه فيما مضى من الزمان حين كانت امرأته لا تلد، وكان هو آيسا من الولد، {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: ٥] ابنا صالحا تتولاه.
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ} [مريم: ٦] بالرفع من صفة الولي كأنه سأل وليا وارثا علمه ونبوته، والجزم على جواب الأمر، فصح الشرط بأن يقول: إن وهبت ورث.
قال ابن عباس: يريد النبوة، فيكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء.
وقال الكلبي: يريد مكاني وحبورتي.
وقال قتادة: يرث نبوتي وعلمي.
وقال ابن قتيبة: لم يرد يرثني مالي.
وأيّ مال كان لزكريا حتى يسأل الله أن يهب له ولدا يرثه، لقد جل هذا المال إذا وعظم قدره، ونافس عليه منافسة أبناء الدنيا، وإنما كان زكريا نجارا، وكان حبرا، وكلا هذين الأمرين يدل على أنه لا مال له.
٥٨٧ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْخَشَّابُ، أنا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، أنا عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُجَاشِعٍ، نا هُدْبَةُ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ زَكَرِيَّا نَجَّارًا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هُدْبَةَ
{وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: ٦] النبوة، فقال مجاهد: كان زكريا من ذرية يعقوب.
{وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: ٦] قال ابن عباس: يكون عندي مرضيا فِي الصلاح والعقاب والنبوة.
فاستجاب الله دعاءه، فقال: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: ٧] تقدم تفسيره فِي { [آل عمران.
] لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [سورة مريم: ٧] أكثر المفسرين على أن معناه لم يسم أحدا قبله يحيى، ويثبت فِي هذا له فضيلتان: أحدهما أن الله تولى تسميته، ولم يكلها إلى الأبوين، والثانية أنه سماه باسم لم يسبق إليه، يدل ذلك الاسم على فضله.
قال الزجاج: سمي يحيى لأنه حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها.
وقال ابن عباس فِي رواية عطاء: يريد لم يكن له فِي سابق علمي نظير ولا شبيه.
وقال فِي رواية الوالبي: يقول: لم تلد العواقر مثله ولدا.
وهو قول مجاهد، قال: يعني لم يجعل له مثلا فِي الفضل.