بعضهم مغالبة بعض، وهذا معنى قول المفسرين: لقاتل بعضهم بعضا كما يفعل الملوك في الدنيا.
ثم نزه نفسه عما وصفوه به، فقال سبحانه وتعالى:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {٩١} عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [المؤمنون: ٩١-٩٢] بالجر من نعت الله، والرفع على خبر ابتداء محذوف، يعني: هو عالم.
{رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[المؤمنون: ٩٤] أي: مع القوم الظالمين، قال الكلبي: مع الفئة الباغية.
قال الزجاج: أي إن أنزلت بهم النقمة، يا رب، فاجعلني خارجا عنهم.
ثم أخبر أنه قادر على ذلك بقوله:{وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون: ٩٥] .
ثم أمره بالصبر إلى أن ينقضي الأجل المضروب للعذاب، فقال:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}[المؤمنون: ٩٦] يعني بالأحسن، الإعراض والصفح، والسيئة أذى المشركين إياه، وهذا قبل الأمر بالقتال، {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[المؤمنون: ٩٦] بما يكذبون ويقولون من الشرك، أي: إنا نجازيهم بما يستحقون.
ثم أمره أن يتعوذ من الشيطان ليسلم في دينه، فقال:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ}[المؤمنون: ٩٧] أمتنع وأعتصم بك، {مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}[المؤمنون: ٩٧] معنى الهمز في اللغة: الدفع، وهمزات الشياطين: دفعهم بالإغواء إلى المعاصي، وهو معنى قول المفسرين: نزعاتهم ووساوسهم، وذلك أن الشيطان إنما يدفع الناس إلى المعاصي بما يوسوس إليهم.
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}[المؤمنون: ٩٨] في أموري، أي أن يصيبوني بالسوء لأن الشيطان لا يحضر ابن آدم إلا بسوء.
ثم أخبر الله تعالى أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت، فقال:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {٩٩} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {١٠٠} } [المؤمنون: ٩٩-١٠٠]{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}[المؤمنون: ٩٩] أي: إلى الدنيا ردوني إليها، وإنما قال: ارجعوني، كما يقال للجماعة، لأن الله عز وجل يخبر عن نفسه بما يخبر به عن الجماعة في نحو قوله:{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}[ق: ٤٣] وأمثاله، فكذلك جاء الخطاب في ارجعون في مقابلته، قوله: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا