للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ {٧٣} وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ {٧٤} وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {٧٥} } [سورة النمل: ٧١-٧٥] {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} [النمل: ٧١] الذي تعدنا يا محمد من العذاب، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: ٧١] بأنه يكون.

{قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: ٧٢] يقال: ردفت الرجل وأردفته إذا ركبت خلفه، قال ابن عباس: {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: ٧٢] قرب لكم.

وقال السدي: أقرب لكم.

وقال قتادة: أزف لكم.

والمعنى أن الله أمر نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول للذين يستعجلون العذاب قدرنا، {لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} [النمل: ٧٢] من العذاب، فكان بعض الذي نالهم ببدر وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت.

ثم ذكر فضله في تأخير العذاب، فقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} [النمل: ٧٣] قال مقاتل: على أهل مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} [النمل: ٧٣] ذلك.

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} [النمل: ٧٤] تخفي وتستر صدورهم، وما يعلنون بألسنتهم من عداوتك والخلاف عليك، أي: إنه يعلم ذلك فيجازيهم به.

قوله: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ} [النمل: ٧٥] أي: جملة غائبة، {فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [النمل: ٧٥] قال المفسرون: ما من شيء غائب وأمر يغيب عن الخلق، {فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: ٧٥] إلا هو بين اللوح المحفوظ، قال مقاتل: يريد علم ما تستعجلون من العذاب، هو مبين عند الله، ولئن غاب عن الخلق.

{إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {٧٦} وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {٧٧} إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ {٧٨} فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ {٧٩} إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ {٨٠} وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ {٨١} } [النمل: ٧٦-٨١] {إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل: ٧٦] قال الكلبي: إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا وشيعا، يطعن بعضهم على بعض، ويتبرأ بعضهم من دين بعض، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه إن أخذوا به وأسلموا.

وإنه وإن القرآن، لهدى من الضلالة، ورحمة من العذاب لمن آمن به.

{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} [النمل: ٧٨] قال مقاتل، والكلبي: بين أهل الكتاب يقضي بينهم يوم القيامة.

{بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ} [النمل: ٧٨] الغالب فلا يمكن رد قضائه، العليم بما يحكم، فهو يقضي بين المختلفين بما لا يمكن أن يرد.

{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [النمل: ٧٩] ثق به، {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: ٧٩] على الدين البين، أي: إن العاقبة لك بالنصر.

ثم ضرب للكفار مثلا، فقال: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: ٨٠] شبه كفار مكة بالأموات، يقول: كما لا يسمع الميت النداء كذلك لا يسمع الكافر النداء.

{وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: ٨٠] قال قتادة: لو أن أصم وَلَّى مدبرا، ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان.

ومعنى الآية أنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه من التوحيد، كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه، والصم الذين لا يسمعون.

ثم ضرب العمى مثلا لهم أيضا، فقال: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} [النمل: ٨١] أي: ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلبه عن الإيمان، وقرأ حمزة تهدي العمي على

<<  <  ج: ص:  >  >>