للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يأتون الله يوم القيامة، وقرأ حمزة أتوه على الفعل، داخرين صاغرين، وقد تقدم.

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} [النمل: ٨٨] واقفة في مكانها لا تسير، {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: ٨٨] حتى تعلق على الأرض فتستوي بها، صنع الله أي: صنع الله ذلك، {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨] أبرم خلق وأحكمه، ومعنى الإتقان في اللغة الإحكام للأشياء، إنه خبير بما يفعلون بما يفعل أعداؤه من المعصية والكفر، وبما يفعل أولياؤه من الطاعة، ومن قرأ بالتاء فهو خطاب للكافة.

وقوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [النمل: ٨٩] بكلمة الإخلاص شهادة أن لا إله إلا الله، والمعنى: من وافى يوم القيامة بالإيمان، {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل: ٨٩] قال ابن عباس: فمنها يصل الخير إليه.

والمعنى: له من تلك الحسنة خير يوم القيامة، وهو الثواب والنجاة من العذاب، وخير منها هنا اسم من غير تفضيل، {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: ٨٩] قرئ بالتنوين والإضافة، قال أبو علي الفارسي: إذا نون يجوز أن يعني به فزع واحد، ويجوز أن يعني به الكثرة، لأنه مصدر، والمصادر تدل على الكثرة، وإن كانت مفردة الألفاظ كقوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: ١٩] وكذلك إذا أضيفت يجوز أن يعني به مفرد، ويجوز أن يعني به كثرة.

وعلى هذا القراءتان سواء لا فضل بينهما، فإن أريد به الكثرة فهو شامل لكل فزع، وإن أريد به واحد فتفسيره ما ذكرنا في قوله: {الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأنبياء: ١٠٣] .

وقال الكلبي: إذا أطبقت النار على أهلها، فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها، وأهل الجنة آمنون من ذلك الفزع.

{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [النمل: ٩٠] يعني بالشرك، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل: ٩٠] يقال: كببت الرجل إذا ألقيته لوجهه فانكب وأكب.

وتقول لهم الخزنة: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا} [النمل: ٩٠] جزاء، {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: ٩٠] في الدنيا من الشرك.

٦٩٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْعَدْلُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَتَكِيُّ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْمُسْلِمِيُّ، نا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَاءَ الإِيمَانُ وَالشِّرْكُ يَجْتَمِعَانِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ اللَّهِ لِلإِيمَانِ: انْطَلِقْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَقُولُ لِلشِّرْكِ: انْطَلِقْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ إِلَى النَّارِ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} يَعْنِي: قَوْلَهُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} يَعْنِي: الشِّرْكَ، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} "

قوله: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {٩١} وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْءَانَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ {٩٢} وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {٩٣} } [النمل: ٩١-٩٣] {

<<  <  ج: ص:  >  >>