ابن عباس: يريد الذي أشركوا.
{إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [القصص: ٨٤] إلا جزاء ما كانوا يعملون من الشرك، وجزاؤه النار.
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ {٨٥} وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ {٨٦} وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {٨٧} وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {٨٨} } [القصص: ٨٥-٨٨] {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ} [القصص: ٨٥] قال المفسرون: أنزل عليك القرآن.
قال الزجاج: فرض عليك العمل بما يوجبه القرآن.
وتقدير الكلام فرض عليك أحكام القرآن وفرائض القرآن، {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: ٨٥] يعني مكة، قال المفسرون: لما نزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجحفة في مسيره إلى المدينة، لما هاجر إليها اشتاق إلى مكة، فأتاه جبريل، فقال: أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال: نعم.
فقال جبريل: فإن الله يقول: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: ٨٥] يعني إلى مكة، ظاهرا عليها.
فنزلت الآية بالجحفة وليست مكية ولا مدنية، وسميت مكة معادا لعوده إليها.
وتم الكلام، ثم ابتدأ كلاما آخر، فقال: قل {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} [القصص: ٣٧] وهو جواب لكفار مكة لما قالوا لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك في ضلال.
فقال الله: قل لهم ربي أعلم بمن جاء بالهدى، يعني نفسه، {وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [القصص: ٨٥] يعني المشركين، والمعنى: الله أعلم بالفريقين، وقد علم أني قد جئت بالهدى وأنكم في ضلال.
ثم ذكره نعمه، فقال: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ} [القصص: ٨٦] أن يوحى إليك القرآن بأن تكون نبيا، {إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: ٨٦] قال الفراء: هذا من الاستثناء المنقطع، ومعناه: ما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم، تتلوها على أهل مكة إلا أن ربك رحمك وأراد بك الخير.
{فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} [القصص: ٨٦] معينا لهم على دينهم.
قال مقاتل: وذلك حين دعى إلى دين آبائه، فذكره الله نعمه ونهاه عن مظاهرتهم على ما كانوا عليه.
وأمره بالتحرز منهم بقوله: {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ} [القصص: ٨٧] يعني القرآن، {بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} [القصص: ٨٧] إلى معرفته وتوحيده، {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص: ٨٧] قال ابن عباس رضي الله عنه: الخطاب له في الظاهر، والمراد به أهل دينه، أي تظاهروا الكفار ولا توافقوهم.
وكذلك قوله: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [القصص: ٨٨] لا تعبد معه غيره، ثم وحد نفسه، فقال: {لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] قال عطاء، عن ابن عباس: إلا ما أريد به وجهه.
وهو قول الكلبي، قال: كل عمل لغيره فهو هالك إلا ما كان له.
وقال سفيان رحمه الله: إلا ما أريد به وجه الله من الأعمال.
وهو اختيار الفراء، وأنشد:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل
أي: إليه أوجه العمل، وعلى هذا وجه الله ما وجه إليه من الأعمال، له الحكم أي: الفصل بين الخلائق في الآخرة دون غيره، وإليه ترجعون تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.