للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المفسرين: ذهبوا إلى أن معنى الحيوان ههنا الحياة، وأنه مصدر بمنزلة الحياة، ويكون كالثوران والغليان، ويكون التقدير وإن الدار الآخرة لهي دار الحيوان، أو ذات الحيوان، والمعنى: إن حياة الدار الآخرة هي الحياة، لأنه لا تنغيص فيها ولا نفاد لها، ولا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار، وهذا معنى قول جماعة المفسرين.

وقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٦٤] يعني: لو علموا لرغبوا في الباقي الدائم عن الفاني الزائل، ولكنهم لا يعلمون.

قوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: ٦٥] يعني المشركين، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: ٦٥] أفردوا الله بالطاعة، وتركوا شركاءهم فلا يدعونهم لأنجائهم، فلما نجاهم الله من أهوال البحر وأفضوا، {إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: ٦٥] به، وهذا إخبار عن عنادهم، وأنهم عند الشدائد يعلمون أن القادر على كشفها الله وحده، فإذا زالت عادوا إلى كفرهم.

قال عكرمة: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتدت بهم الريح ألقوا تلك الأصنام في البحر، وصاحوا: يا خذاي.

قوله: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [العنكبوت: ٦٦] هذه لام الأمر، ومعناه التهديد والوعيد، كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠] ، {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} [الإسراء: ٦٤] والمعنى: ليجحدوا نعمة الله، وليتمتعوا بباقي عمرهم، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم، ومن كسر اللام في وليتمتعوا جعل اللام في ليكفروا لام كي، والمعنى: إذا هم يشركون ليكفروا، والمعنى: لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما تستمتعون به في العاجلة من غير نصيب لهم في الآخرة.

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ {٦٧} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ {٦٨} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {٦٩} } [العنكبوت: ٦٧-٦٩] أولم يروا يعني: كفار مكة، {أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: ٦٧] يعني مكة، وذكرنا تفسير هذه الآية في { [القصص،] وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [سورة العنكبوت: ٦٧] يعني: العرب يسبي بعضهم بعضا، وأهل مكة آمنون، أفبالباطل يؤمنون يعني الشيطان، وبنعمة الله بمحمد والإسلام، يكفرون.

ثم ذكر أنهم أظلم الخلق، فقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [العنكبوت: ٦٨] لا أحد أظلم ممن زعم أن لله شريكا، وأنه أمر بالفواحش، {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} [العنكبوت: ٦٨] بمحمد والقرآن، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: ٦٨] أما لهذا الكافر المكذب مأوى في جهنم؟ وهو استفهام معناه التقرير.

قوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت: ٦٩] قال ابن عباس: يريد المهاجرين والأنصار.

وقال ابن زيد: والذين جاهدوا هؤلاء المشركين وقاتلوهم في نصرة ديننا، لنهدينهم سبلنا لنوفقنهم لإصابة الطرق المستقيمة، والأولى أن يكون معنى الهداية ههنا الزيادة منها والتثبيت عليها، قال الزجاج: أعلم الله أنه يزيد المجاهدين هداية، كما أنه يزيد الكافرين بكفرهم ضلالة، كما قال: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: ١٧] .

{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: ٦٩] بالنصرة والعون، قال عطاء، عن ابن عباس: يريد بالمحسنين الموحدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>