للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بما يعلمون ثواب الله، ثم نعتهم بقوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧] .

قوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم: ٣٩] قال السدي: الربا في هذا الموضع الهدية يهديها الرجل لأخيه يطلب المكافأة، فإن ذلك لا يراد عند الله، لا يؤجر عليه صاحبه، ولا إثم عليه.

وروى قتادة، عن ابن عباس، قال: هي هبة الرجل، يهب الشيء يريد أن يثاب عليه أفضل منه.

وهذا قول جماعة المفسرين، قال الزجاج: يعني دفع الإنسان الشيء ليعوض ما هو أكثر منه، وذلك ليس بحرام، ولكنه لا ثواب فيه، لأن الذي يهبه يستدعي رد ما هو أكثر منه.

وقرأ ابن كثير أتيتم مقصورا، وهو يئول في المعنى إلى قول من مد، كأنه قيل: وما جئتم من ربا ومجيئهم ذلك على وجه الإعطاء له، كما تقول: أتيت خطأ، وأتيت صوابا، وأتيت قبيحا، إنما هو فعل له وسمي المدفوع على وجه اجتلاب الزيادة ربا لأن غرضه فيه الاستزادة على ما أعطى، فسمي باسم الزيادة.

وقوله: {لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} [الروم: ٣٩] أي: في اجتلاب أموال الناس واجتذابها، وقرأ نافع لتربوا بالتاء وضمها، أي لتصير ذوي زيادة من أموال الناس بما آتيتم، وهو من الربى، أي صار ذا زيادة، {فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: ٣٩] لأنكم قصدتم إلى زيادة العوض ولم تقصدوا البر والقربة.

{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: ٣٩] وما أعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة، وإنما تقصدون بها ما عند الله، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: ٣٩] يضاعف لهم الثواب، يعطون الحسنة عشر أمثالها، والمضعف ذو الأضعاف من الحسنات.

ثم ذكر ما أصاب الناس بترك التوحيد، فقال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {٤١} قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ {٤٢} } [الروم: ٤١-٤٢] ظهر الفساد يعني: قحط المطر وقلة النبات، في البر حيث لا يجري نهر، وهو البوادي، والبحر وهو كل قرية على ماء، قال ابن عباس: البحر ما كان من المدائن والقرى على شاطئ نهر.

{بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: ٤١] من المعاصي، يعني كفار مكة، ليذيقهم الله بالجوع في السنين السبع، {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم: ٤١] أي جزاءه، لعلهم يرجعون لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان، وهذا كقوله: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الأعراف: ١٣٠] الآية.

وليس المراد بالبر والبحر في هذه الآية كل بر وبحر في الدنيا، وإنما المراد به حيث ظهر هناك

<<  <  ج: ص:  >  >>