للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأشفقن منها أي: خفن من الأمانة أن لا يوفينها فيلحقهن العقاب، وحملها الإنسان قال عطاء، عن ابن عباس: يريد آدم، عرض الله عليه أداء الفرائض: الصلوات الخمس في مواقيتها، وأداء الزكاة عند محلها، وصيام رمضان، وحج البيت على أن له الثواب وعليه العقاب، فقال: بين أذني وعاتقي.

وقال مقاتل بن حيان: قال الله: يا آدم، أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ فقال آدم: ومالي عندك؟ قال: إن أحسنت وأطعت ووعيت الأمانة فلك الكرامة وحسن الثواب في الجنة، وإن عصيت وأسأت فإني معذبك ومعاقبك.

قال: قد رضيت رب وتحملتها.

فقال الله تعالى: قد حملتكها.

فذلك قوله: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: ٧٢] قال الكلبي: ظلمه حين عصى ربه فأخرج من الجنة، وجهله حين احتملها.

وقال المقاتلان: ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تحمل.

أخبرنا أحمد بن يعقوب، نا الحسن بن علي بن عفان، نا أسامة، عن النضر بن عدي، أن رجلا سأل مجاهدا عن قوله، {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: ٧٢] الآية، فقال مجاهد: لما خلق الله السموات والأرض والجبال عرض الأمانة عليه فلم تقبلها، فلما خلق الله آدم عرضها عليه، قال: يا رب، وما هي؟ قال: إن أحسنت جزيتك، وإن أسأت عذبتك.

قال: قد تحملتها يا رب.

قال مجاهد: فما كان بين أن تحملها وبين أن خرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر.

٧٦٦ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أنا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، نا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، نا سَهْلٌ الْعَسْكَرِّيُ، نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ لآدَمَ: إِنِّي عَرَضْتُ الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَلَمْ تُطِقْهَا، فَهَلْ أَنْتَ حَامِلُهَا بِمَا فِيهَا؟ قَالَ: إِي رَبِّ، وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: إِنْ حَفِظْتَهَا أُجِرْتَ، وَإِنْ ضَيَّعْتَهَا عُذِّبْتَ، قَالَ: فَقَدْ حَمَلْتُهَا بِمَا فِيهَا، قَالَ: فَمَا غَبَرَ فِي الْجَنَّةِ إِلا كَقَدْرِ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْهَا إِبْلِيسُ، قَالَ جُوَيْبِرٌ: فَقُلْتُ لِلضَّحَّاكِ: وَمَا الأَمَانَةُ؟ قَالَ: الْفَرَائِضُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ؛ أَنْ لا يَغُشَّ مُؤْمِنًا، وَلا مُعَاهِدًا فِي قَلِيلٍ وَلا كَثِيرٍ، فَمَنِ انْتَقَصَ شَيْئًا مِنَ الْفَرَائِضِ فَقَدْ خَانَ أَمَانَتَهُ

قوله: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: ٧٣] إلى قوله: ويتوب قال المقاتلان: ليعذبهم الله بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل ونقضوا الميثاق الذين أقروا به حين أخرجوا من ظهر آدم.

وقال الحسن، وقتادة: هؤلاء خانوها، وهم الذين ظلموها.

{وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ٧٣] هؤلاء أدوها، وقال ابن قتيبة: أي عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك، فيعذبهما الله ويظهر إيمان المؤمن ويتوب الله عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات.

ولذلك ذكر بلفظ التوبة، فدل أن المؤمن العاصي خارج من العذاب.

{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} [الأحزاب: ٧٣] للمؤمنين، رحيما بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>