قوله: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: ٤٧] يقول: لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا فتتهموني، ومعنى {مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: ٤٧] أي: ما أسألكم شيئا، كما يقول القائل: ما لي في هذا فقد وهبته لك، يريد: ليس لي فيه شيء، ثم ذكر أن أجره عند الله، وهو قوله: {إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سبأ: ٤٧] قال ابن عباس: لم يغب عنه شيء.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [سبأ: ٤٨] القذف: الرمي بالسهم، والحصى، والكلام.
قال الكلبي: يرمي بالحق على معنى يأتي به.
وقال مقاتل: يتكلم بالحق وهو القرآن والوحي.
يعني أنه يلقيه إلى أنبيائه، علام الغيوب علم ما غاب عن خلقه في السموات والأرض.
{قُلْ جَاءَ الْحَقُّ} [سبأ: ٤٩] الدين والإيمان والقرآن، {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: ٤٩] أي: ذهب الباطل ذهابا لم يبق منه إقبال ولا ابتداء ولا إعادة، وقال قتادة: الباطل هو الشيطان.
أي: ما يخلق ابتداء ولا بعثا، وهو قول مقاتل، والكلبي.
{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ} [سبأ: ٥٠] كما تزعمون، وذلك أن كفار مكة قالوا: لقد ضللت حين تركت دين آبائك.
{فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} [سبأ: ٥٠] أي: إثم ضلالتي يكون على نفسي.
{وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: ٥٠] من الحكمة والبيان، إنه سميع الدعاء، قريب مني.
قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ {٥١} وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ {٥٢} وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ {٥٣} وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ {٥٤} } [سبأ: ٥١-٥٤] ولو ترى يا محمد، إذ فزعوا يعني عند البعث، فلا فوت لا يفوتني أحد، ولا ينجو مني ظالم، {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [سبأ: ٥١] يعني القبور، وحيث كانوا فهم من الله قريب لا يبعدون عنه، ولا يفوتونه.
وقالوا يعني في الآخرة، آمنا به بمحمد والقرآن، {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} [سبأ: ٥٢] أي: التناول، وهو تفاعل من النوش الذي هو التناول، ومن همز فلأن واو التناوش مضمومة، وكل واو ضمتها لازمة جاز إبدال همزة منها، نحو أدؤر، والمعنى: كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد، يعني في الآخرة، وقد تركوه في الدنيا.
وهو قوله: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} [سبأ: ٥٣] أي: كانوا كافرين بمحمد والقرآن في الدنيا قبل ما عاينوا من أهوال القيامة، {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: ٥٣] قال مجاهد: يرمون محمدا بالظن لا باليقين، وهو قولهم له: شاعر، وساحر، وكاهن.
ومعنى الغيب على هذا: الظن، وهو ما غاب علمه عنهم، والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون، والمعنى: يرمون محمدا بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون.
وحيل بينهم منع بين هؤلاء الكفار، {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: ٥٤] قال ابن عباس: يعني الرجعة إلى الدنيا.
قال الحسن: يعني الإيمان.
وقال مقاتل: يعني من قبول التوبة منهم.
{كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ} [سبأ: ٥٤] بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار، من قبل أي: من قبل هؤلاء، {إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ} [سبأ: ٥٤] من البعث ونزول العذاب بهم، مريب موقع لهم في الريبة والتهمة.