يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ: ٤٤] قال قتادة: ما أنزل الله على العرب كتابا قبل القرآن ولا بعث إليهم نبيا قبل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الفراء: أي من أين كذبوك ولم يأتهم كتاب ولا نذير بهذا الذي فعلوه، ثم خوفهم وأخبر عن عاقبة من كذب قبلهم، فقال:{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[سبأ: ٤٥] يعني الأمم الكافرة، وما بلغوا يعني أهل مكة، {مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ}[سبأ: ٤٥] المعشار والعشير والعشر جزء من العشرة، قال ابن عباس: يقول: وما بلغ قومك معشار ما آتيناهم من قبلهم من القوة، وكثرة المال، وطول العمر فأهلكهم الله.
وهو قوله:{فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[سبأ: ٤٥] يعني العذاب والعقوبة والنكير: اسم بمعنى الإنكار.
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[سبأ: ٤٦] قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}[سبأ: ٤٦] أي: آمركم بخصلة واحدة، وهي:{أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى}[سبأ: ٤٦] أي: تقوموا منفردين ومجتمعين، يعني أن الواحدة التي أعظكم بها هي قيامكم ونشركم لطلب الحق بالفكرة، وهو قوله: ثم تتفكروا مجتمعين ومتفرقين، وليس معنى القيام ههنا قيام على الرجلين، بل هو قيام بالأمر الذي هو طلب الحق، وتم الكلام عند قوله: ثم تتفكروا وهو مختصر، معناه: ثم تتفكروا لتعلموا صحة ما أمرتكم به، قال مقاتل: يقول: ليتفكر الرجل منك وحده ومع صاحبه، فينظران في خلق السموات والأرض دلالة على أن خالقها واحد لا شريك له.
ثم ابتدأ فقال:{مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ}[سبأ: ٤٦] وقال ابن قتيبة: تأويل الآية أن المشركين قالوا: إن محمدا مجنون وساحر، فقال الله تعالى لهم: قل لهم: اعتبروا أمري بواحدة وهي: أن تقوموا لله ولي ذاته مجتمعين، وهو أن يقول الرجل لصاحبه: فلنتصادق، هل رأينا بهذا الرجل جنة قط؟ أو جربنا عليه كذبا؟ ثم ينفرد كل واحد عن صاحبه فيتفكر وينظر، فإن في ذلك ما يدل على أن محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نذير، وهو قوله:{إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[سبأ: ٤٦] يعني في الآخرة، وعلى هذا القول الآية متصلة ببعض، وهو قول الفراء، والزجاج.