سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلا ... وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
فَجَعَلَ يَقُولُ: وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ بِالأَخْبَارِ، فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هَكَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ وَلا يَنْبَغِي لِي
وقوله: إن هو قال مقاتل: ما القرآن، إلا ذكر موعظة، وقرآن مبين فيه الفرائض والحدود والأحكام.
لينذر أي القرآن، ومن قرأ بالتاء لتنذر يا محمد بما في القرآن، {مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس: ٧٠] يعني: مؤمنا حي القلب، لأن الكافر كالميت في أنه لا يتدبر ولا يتفكر، ويحق القول وتجب الحجة بالقرآن، على الكافرين.
ثم ذكرهم قدرته، فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ {٧١} وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ {٧٢} وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ {٧٣} } [يس: ٧١-٧٣] {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: ٧١] مما تولينا خلقه بإبداعنا وإنشائنا لم نشارك في خلقه ولم نخلقه بإعانة معين، وذكر الأيدي ههنا يدل على إنفراده بما خلق، والواحد منا إذا قال عملت هذا بيدي دل ذلك على إنفراده بعمله، وإنما تخاطب العرب بما يستعملون من مخاطباتهم، وقوله: أنعاما يريد: الإبل والبقر والغنم، {فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: ٧١] ضابطون قاهرون، أي: لم نخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها، بل هي مسخرة لهم.
وهو قوله: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} [يس: ٧٢] ما يركبون، يعني الإبل، وقال مقاتل: يعني حمولتهم الإبل والبقر.
ومنها يأكلون يعني الغنم.
{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [يس: ٧٣] من الأصواف والأوبار والأشعار والنسل، ومشارب من ألبانها، أفلا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه.
ثم ذكر جهلهم وغرتهم، فقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ {٧٤} لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ {٧٥} فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ {٧٦} } [يس: ٧٤-٧٦] {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ} [يس: ٧٤] يمنعون من العذاب.
{لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} [يس: ٧٥] قال ابن عباس: لا تقدر الأصنام على نصرتهم.
وقال مقاتل: لا تقدر آلهة أن تمنعهم من العذاب.
{وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يس: ٧٥] يعني: الكفار جند الأصنام، يغضبون لهم ويحضرونهم في الدنيا.
قال قتادة: يغضبون للآلهة في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تدفع عنهم شرا.
وقال الزجاج: ينتصرون للأصنام وهي لا تستطيع نصرهم.
ثم عزى نبيه، فقال: {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يس: ٧٦] يعني: قول كفار مكة في تكذيبك، {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} [يس: ٧٦] في ضمائرهم من تكذيبك، وما يعلنون بألسنتهم، والمعنى: إنا نثيبك ونجازيهم.
قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ} [يس: ٧٧] يعني: أبي بن خلف، خاصم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إنكار البعث، وأتاه بعظم قد بلي، فتته بيده، وقال: أيحيي الله هذا بعدما رم؟ فأنزل الله: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ {٧٧} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ