ثم ذكر من سبقت له من الله الشقاوة، فقال:{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ {١٩} لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ {٢٠} أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ {٢١} } [الزمر: ١٩-٢١]{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ}[الزمر: ١٩] قال ابن عباس: من سبق في علم الله أنه في النار، أفأنت تنقذه فتجعله مؤمنا.
يعني لا تقدر على ذلك، قال عطاء: يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإيمان به.
{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ}[الزمر: ٢٠] بالإيمان والطاعة، {لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ}[الزمر: ٢٠] لهم منازل في الجنة رفيعة، وفوقها منازل أرفع منها، وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدا لا يخلفه، وهو قوله: وعد الله، {لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}[الزمر: ٢٠] .
ثم ذكر ما يدل على توحيده، وهو قوله:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ}[الزمر: ٢١] أدخل ذلك الماء {يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ}[الزمر: ٢١] جمع ينبوع، وهو يفعول، من نبع الماء ينبع، والينابيع الأمكنة التي ينبع منها الماء.
قال مقاتل: فجعله عيونا وركابا في الأرض، ثم يخرج بذلك الماء من الأرض زرعا مختلفا ألوانه من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض.
ثم يهيج يجف، يقال: هاج النبت يهيج هيجا إذا تم جفافه.
فتراه بعد الخضرة، {مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا}[الزمر: ٢١] دقاقا متكسرا متفتتا، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ}[الزمر: ٢١] تفكر لذوي العقول، يذكرون به ما لهم فيه من الدلالة على توحيد الله وقدرته.