اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [سورة الجاثية: ٢١] الآية نزلت حين قال كفار مكة للمؤمنين: إنا نعطي في الآخرة من الخير، مثل ما تعطون من الآجر.
والمعنى: بل أحسب، وهو استفهام إنكار الذين عملوا الشرك، واكتسبوا الآثام، أن نجعلهم في الآخرة كالمؤمنين في الدرجة والثواب، وهو قوله: كالذين آمنوا أي: بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والقرآن، وعملوا الصالحات الطاعات من الصلاة والزكاة، وتم الكلام، ثم قال:{سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ}[الجاثية: ٢١] وارتفع سواء بأنه خبر ابتداء مقدم، تقديره: محياهم ومماتهم سواء، والضمير فيهما يعود إلى القبيلين، المؤمنين والكافرين، يقول: المؤمن مؤمن محياه مؤمن مماته، والكافر كافر محياه ومماته.
والمعنى: أن المؤمن يموت على إيمانه ويبعث عليه، والكافر يموت على كفره ويبعث عليه، يريد: أن محيا القبيلين ومماتهم سواء، ومن قرأ سواء نصبًا جعله مفعولًا ثانيًا، على تقدير: أن نجعل محياهم ومماتهم سواء، يعني: أحسبوا أن حياتهم ومماتهم، كحياة المؤمنين وموتهم؟ كلا، فإنهم يعيشون كافرين ويموتون كافرين، والمؤمنون يعيشون مؤمنين ويموتون مؤمنين، وقد ميز الله بين الفريقين: فجعل حزب الإيمان في الجنة، وحزب الكفر في النار، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية: ٢١] بئس ما يقضون، حين يرون أن لهم في الآخرة ما للمؤمنين.
أخبرنا أبو نصر المهرجاني، أنا أبو عبد الله بن بطة، أنا أبو القاسم ابن بنت منيع، نا علي بن الجعد، أنا شعبة، عن عمرو بن مرة، سمعت أبا الضحى، عن مسروق، قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو كرب، أن يصبح يقرأ آية من القرآن يركع بها، ويسجد، ويبكي {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[الجاثية: ٢١] الآية، ثم ذكر أنه خلق السموات والأرض، للحق والجزاء {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[الجاثية: ٢٢] كيلا يظن الكافر أنه لا يجزى بكفره، وأنه يستوي مع المؤمن، وهو قوله:{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}[الجاثية: ٢٢] الآية.