اللَّهِ} [الجاثية: ٢٣] أي: من بعد إضلال الله، أي: من يهديه بعد أن أضله الله؟ أفلا تذكرون فتعرفوا قدرته على ما يشاء.
وقالوا يعني: منكري البعث، ما هي ما الحياة، {إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: ٢٤] ما هم فيه من الحياة، نموت ونحيا قال مقاتل: نموت نحن، ويحيا آخرون ممن يأتون بعدنا.
وهو قول المفسرين.
وقال الزجاج: المعنى: نحيا ونموت والواو للاجتماع.
{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤] إلا طول العمر، واختلاف الليل والنهار، قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ} [الجاثية: ٢٤] الذي قالوه، من علم أي: لم يقولوه عن علم علموه، قالوه ضلالًا شاكين، وهو قوله: {إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤] .
وما بعد هذا ظاهر التفسير، سابق فيما تقدم، إلى قوله: يخسر المبطلون يعني: المكذبين الكافرين، الذين هم أصحاب الأباطيل، يظهر في ذلك اليوم خسرانهم بأن يصيروا إلى النار.
قوله: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {٢٨} هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {٢٩} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ {٣٠} وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ {٣١} } [الجاثية: ٢٨-٣١] .
{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: ٢٨] جالسة على الركب عند الحساب، كما يجثي بين يدي الحاكم ينتظر القضاء، قال سلمان الفارسي: إن في يوم القيامة ساعة هي عشر سنين، يخر الناس فيها جثاء على ركبهم، حتى إن إبراهيم عليه السلام ينادي: نفسي، لا أسالك إلا نفسي.
وقوله تعالى: {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} [الجاثية: ٢٨] يعني: إلى كتاب أعمالها، ويقال لهم: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: ٢٨] .
هذا كتابنا يعني: ديوان الحفظة، ينطق يشهد، عليكم بالحق أي: يبينه بيانًا شافيًا، حتى كأنه ناطق، {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: ٢٩] نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم، أي: بكتبها، وإثباتها عليكم، وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ، تستنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم، فيجدون ذلك موافقًا لما يعملونه.
قالوا: والاستنساخ لا يكون إلا من أصل هو أن يستنسخ كتاب من كتاب.
ثم ذكر الفريقين من المؤمنين والكافرين، فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [الجاثية: ٣٠] الآية ظاهرة.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [الجاثية: ٣١] فيقال لهم: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [الجاثية: ٣١] يعني: آيات القرآن، فاستكبرتم عن الإيمان بها، {وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الجاثية: ٣١] متكبرين، كافرين.