{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى}[النجم: ٣٣] أدبر عن الحق والإسلام، يعني: الوليد بن المغيرة، كان قد آمن، ثم عيره بعض المشركين بترك دينه، فقال: إني خشيت عذاب الله.
فقال: أنا أتحمل عنك العذاب، إن أعطيتني من مالك كذا وكذا.
فرجع إلى الشرك، وأعطى الذي عيره بعض ذلك المال، ومنعه تمامه، وذلك قوله:{وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى}[النجم: ٣٤] قال الفراء: أمسك من العطية وقطع.
وقال المبرد: منع منعًا شديدًا.
{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ}[النجم: ٣٥] ما غاب عنه من أمر العذاب، فهو يرى أي: يعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه.
{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ}[النجم: ٣٦] لم يخبر، ولم يحدث، {بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى}[النجم: ٣٦] يعني: أسفار التوراة.
وإبراهيم وفي صحف إبراهيم، الذي وفى وتمم، وأكمل ما أمر به، قال المفسرون: بلغ قومه، وأدى إليهم ما أمر به.
وقال آخرون: أكمل ما يجب لله عليه من الطاعة، في كل ما أمر، وامتحن به.
ثم بين ما في صحفهما، فقال:{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[النجم: ٣٨] أي: لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى، ومعناه: لا تؤاخذ نفس بإثم غيرها، وفي هذا إبطال لقول من ضمن للوليد أن يحمل عنه الإثم، وهذا عام في كل شريعة، وقد روي في شرعنا: أن رؤساء الكفر، والداعين إلى الضلالة، يزاد لهم الوزر، بسبب إضلالهم أتباعهم، وهو قوله تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}[العنكبوت: ١٣] ، وقوله:{وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}[النحل: ٢٥] فأما أن تحمل نفس ذنب نفس أخرى، حتى تصير المحمول عنها، كأنها لم تأت بذنب، فليس ذلك في شريعة.
{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى}[النجم: ٣٩] عطف على قوله تعالى: ألا تزر وهذا أيضًا مما في صحف إبراهيم وموسى، ومعناه: ليس له جزاء إلا جزاء سعيه، إن عمل خيرًا جزي خيرًا، وإن عمل شرًا جزي شرًا، وروى الوالبي، عن ابن عباس: أن هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة، بقوله:{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور: ٢١] رفع الله درجة الذرية، وإن لم يستحقوها بأعمالهم.