معاشهم مثل السكين، والفأس، والإبرة، وليعلم الله معطوف على قوله: ليقوم الناس أي: ليعامل بالعدل، {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحديد: ٢٥] وذلك أن الله تعالى أمر في الكتاب الذي أنزل بنصرة دينه ورسله، فمن نصر دينه ورسله علمه ناصرًا، ومن عصى علمه بخلاف ذلك، وقوله: بالغيب أي: ولم ير الله، ولا أحكام الآخرة، وإنما يحمد ويثاب إذا أطاع بالغيب، {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ}[الحديد: ٢٥] في أمره، عزيز في ملكه.
{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ}[الحديد: ٢٧] يعني: الحواريين، وأتباعهم اتبعوا عيسى، رأفة ورحمة يعني: المودة، كانوا متوادين بعضهم لبعض، كما وصف الله تعالى أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: رحماء بينهم، وقوله: ورهبانية ليس بعطف على ما قبله، وانتصابه بفعل مضمر يدل عليه ما بعده، كأنه قال: وابتدعوا رهبانية، أي: جاءوا بها من قبل أنفسهم، وهو قوله:{مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}[الحديد: ٢٧] قال ابن عباس: ما فرضناها عليهم.
وتلك الرهبانية: غلوهم في العبادة، من حمل المشاق على أنفسهم في الامتناع عن المطعم، والمشرب، والملبس، والنكاح، والتعبد في الجبال، {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}[الحديد: ٢٧] حين ضيعوها وكفروا بدين عيسى، حتى أدركوا محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآمنوا به، وهو قوله:{فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد: ٢٧] الذين تهودوا، وتنصروا.