وفي هذا أكبر آية على قدرة الله تعالى، إذ أمسكها في الهواء على ثقلها ضخم أبدانها، وهذا كقوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ} [النحل: ٧٩] الآية.
قوله: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ {٢٠} أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ {٢١} أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {٢٢} قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ {٢٣} قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {٢٤} وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {٢٥} قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ {٢٦} فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ {٢٧} } [الملك: ٢٠-٢٧] .
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} [الملك: ٢٠] لفظ الجند موحد، لذلك قيل: هذا الذي هو استفهام إنكار، أي: لا جند لكم، ينصركم يمنعكم من عذاب الله، قال ابن عباس: ينصركم مني إن أردت عذابكم.
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ} [الملك: ٢٠] أي: من الشيطان، يعدهم بأن العذاب لا ينزل بهم.
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك: ٢١] أي: من الذي يرزقكم بالمطر، إن أمسكه الله عنكم؟ {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [الملك: ٢١] أي: ليسوا يعتبرون ولا يتفكرون، بل لجوا في طغيانهم، وتماديهم، وتباعدهم عن الإيمان.
ثم ضرب مثلًا، فقال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} [الملك: ٢٢] الآية، والإكباب مطاوع الكب، يقال: كببته فأكب.
ضرب المكب على وجهه مثلًا للكافر، لأنه ضال أعمى القلب، فهذا {أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} [الملك: ٢٢] معتدلًا يبصر الطريق، {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك: ٢٢] يعني به: الإسلام، وقال قتادة: هذا في الآخرة، يحشر الله الكافر مكبًا على وجهه يوم القيامة.
كما قال: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [الإسراء: ٩٧] ، والمؤمن يمشي سويًا.
{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ} [الملك: ٢٣] إلى قوله: {قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: ٢٣] قال مقاتل: يعني: أنهم لا يشكرون رب هذه النعم، فيوحدونه.
وذكر الله أنهم يستعجلون العذاب بقوله: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} [الملك: ٢٥] .
ثم ذكر حالهم عند معاينة العذاب، فقال: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} [الملك: ٢٧] يعني: رأوا العذاب قريبًا،