للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمعنى واحد، قال المفسرون: قدر خلق الذكر والأنثى من الدواب، فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها.

قال صاحب النظم: معنى هدى: هداية الذكر لإتيان الأنثى كيف يأتيها، لأن إيتان ذكران الحيوان مختلف، لاختلاف الصور، والخلق، والهيئات، فلولا أنه عز وجل جبل كل ذكر على معرفة كيف يأتي أنثاه، لما اهتدى لذلك.

وقال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والسعادة والشقاوة.

وقال السدي: قدر مدة الجنين في الرحم، ثم هدى للخروج.

{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى: ٤] أنبت العشب، وما يرعاه النعم.

فجعله بعد الخضرة، غثاء هشيما، جافًا، كالغثاء الذي نراه فوق السيل، أحوى أسود بعد الخضرة، وذلك: أن الكلأ إذا جف يبس واسود.

قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: ٦] أي: سنجعلك قارئًا، بأن نلهمك القراءة، فلا تنسى ما تقرأه، قال الزجاج: أعلم الله أنه سيجعل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آية، يتبين بها له الفضيلة، وهي أن ينزل عليه جبريل، فيقرئه حتى يقرأ، فيقرأ ولا ينسى شيئًا من ذلك، وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، قال المفسرون: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نزل عليه القرآن، أكثر تحريك لسانه، مخافة أن ينساه، وكان لا يفرغ جبريل من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله، مخافة النسيان، فقال الله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: ٦] وهذا كقوله: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ} [طه: ١١٤] الآية، وكقوله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: ١٦] الآية.

{إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: ٧] أن ينسيك بنسخه، ورفع حكمه، وتلاوته، كما قال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: ١٠٦] والإنساء نوع من النسخ، {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ} [الأعلى: ٧] من القول والفعل، {وَمَا يَخْفَى} [الأعلى: ٧] منها، والمعنى: يعلم السر والعلانية.

{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى: ٨] قال مقاتل: يهون عليك عمل الجنة.

وهو معنى قول ابن عباس: نيسرك لأن تعمل خيرًا، واليسرى عمل الخير.

{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: ٩] أي: عظ يا محمد أهل مكة بالقرآن، إن نفعت الموعظة والتذكير، والمعنى: إن نفعت أو لم تنفع، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث مبلغًا للإعذار والإنذار، فعليه التذكير في كل حال، نفع أو لم ينفع، ولم يذكر الحالة الثانية، كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: ٨١] الآية.

وقد نبه الله تعالى على تفصيل الحالتين، بقوله: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>