قال ابن عباس: صامهن ليلهن ونهارهن فلما انسلخ الشهر، كره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم، فتناول شيئا من نبات الأرض فمضغه، فأوحى الله إليه لا كلمتك، حتى يعود فوك على ما كان عليه، أما علمت أن رائحة فم الصائم أحب إلي من ريح المسك، وأمره بصيام من ذي الحجة، فذلك قوله:{وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}[الأعراف: ١٤٢] أي: تم الوقت الذي قدره الله لصوم موسى أربعين، {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}[الأعراف: ١٤٢] لما أراد موسى الانطلاق إلى الجبل للمناجاة استخلف أخاه هارون على قومه، فقال له: اصلح.
قال ابن عباس: يريد: الرفق بهم والإحسان إليهم.
ومعناه: أصلح أمرهم، {وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف: ١٤٢] أي: لا تطع من عصى الله ولا توافقه على أمره.
{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا}[الأعراف: ١٤٣] أي: في الوقت الذي وقتنا له، وكلمه ربه: خصه الله بأن أسمعه كلامه من غير أن يكون بينهما أحد، قال المفسرون: لما أراد الله أن يكلم موسى أهبط إلى الأرض ظلمة سبع فراسخ.
فلما دنا موسى من الظلمة طرد عنه شيطانه، وطرد هوام الأرض ونحى عنه ملكا، ثم كلمه الله وكشطت له السماء، فرأى الملائكة قياما في الهواء، ورأى العرش بارزا، وكان بعد ذلك لا يستطيع أحد أن ينظر إليه لما غشي وجهه من النور، ولم يزل على وجهه برقع حتى مات، وقالت له امرأته: أنا أيم منك مذ كلمك ربك.